الأحد، 2 أغسطس 2020

طرائق القرآن في التعريف بالله تعالى





(أي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله؟  وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة؟ وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه ، وماله بعد الوصول إليه؟ ) ابن القيم رحمه الله
هل تحب الله ربك الذي خلقك؟ هل تشتاق إلى معرفته؟ هل تشرئب نفسك إلى الصعود إلى معارج التعرف على الله الكريم المتعال؟
هل حيَّرتك كتب الجدل وعلم الكلام فشعرت بالبرودة والفتور؟ هل تشعر بالخواء الروحي والإيماني فترنوا إلى دفء معرفة الله، والأنس به، والطمأنينة في كنفه؟
تعال معي تكرما ندلف إلى أعظم وأنبل كتاب يعرفنا بالله سبحانه بطرائق بديعة، لا تكلف فيها، ولا برودة، ولا فتور، ولا جدل ولا اضطراب؛ تعال إلى الحق المبين، والقول الفصل في معرفة الله، تعال إلى القرآن الكريم، إلى أعظم كتاب، إلى كتاب ما هو إلا تعريف به سبحانه وتعالى، بحيث لا تخلوا سورة من التعريف بالله بطريقة مشوقة مقنعة، فما هي طرائق القرآن في التعريف بالله سبحانه وتعالى؟
يحنو علينا القرآن فيأخذ بأيدينا بلطف وحنان يصعد بنا في معارج التعريف بالله، فيبدأ من باب التعريف به سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى؛ يعرفك بأنه "الله" أعلم الأعلام، المألوه المعبود المستحق للعبادة وحده بالخضوع والمحبة والتعظيم والإجلال... الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الذي وسعت رحمته كل شيء، الرحيم بعباده المنعم عليهم بالمنن والفضائل، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحانه وتعالى عما يشركون.. هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم، وهكذا القرآن كله تعريف بالله من خلال أسمائه وصفاته، فيدعونا إلى أن نعبده سبحانه بها فيقول: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"!
وفي خضم الانبهار والتلذذ بهذا المعراج يأخذنا إلى واحة أخرى وارفة الظلال كثيرة المعاني ألا وهي التعريف بالله تعالى بأفعاله سبحانه، بحيث يعرفنا القرآن بأنه "فعال لما يريد" "لا راد لقضائه" "لا يسئل عمال يفعل وهم يسألون" "لا معقب لحكمه وهو السميع العليم" قدرة مطلقة، يسيِّر بها الكون العظيم، أفعال نراها يوميا تحدث وتظهر في تصاريف الكون الذي نعيش فيه وتقلباته، كل هذا بتدبيره سبحانه؛ عروش تزول، وأخرى ترفع، إعطاء وأخذ ومنع، إحياء وإماتة، إنبات وإذبال!!!  أفعال وقدرة تقف النفس منها موقف الانكسار والإجلال والإخبات، إنه الله مكون الأكوان، ومدبر الأمور ومصرفها!
في عز إنكسار النفس أمام أفعال الله يأخذنا القرآن إلى طريقة أخرى في التعريف بالله تعالى من خلال آيات الملائكة، هذا العالم النوراني العجيب، الذي لا يعرف البشر منه شيئا إلا ما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى أنبيائه، فيعرفنا إلى شيء من قوة بعضهم "علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى" وكيف يبادرون إلى تنفيذ أوامر الله ويتسابقون "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وكيف لا يسئمون من العبادة والتسبيح واللهج بذكر مولاهم ليل نهار "يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون"، فتتصاغر النفس وتعاتبنا كم قصرنا في حق الله؟ وكيف فرطنا في جنب الله؟ ثم هو يسترنا ويرحمنا ويرزقنا!!! "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم"
ثم يأخذنا القرآن الكريم إلى طريقة أخرى أشد التصاقا بنا
ألا وهي التعريف بالله تعالى بآيات خلق الإنسان وتكوينه، من أين جاء هذا الكائن؟ ومم خلق؟ وما هي مراحل تكوينه وتنشأته حتى يكبر ويبلغ أشده؟ ثم إذا هو خصيم لمولاه بين المخاصمة والمكابرة!!
ما لك أيها الإنسان عد رشدك انظر من أين أتيت "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا" "فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب" وعشرات الآيات تبين أصلك وفصلك وكيف ارتقيت برعاية الله سبحانه مراتب الضعف... "خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك" "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم" شددك وقواك وكرمك وجعلك المخلوق الأول في الكون ثم تجحد كل ذلك وتكفر به! "إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد" بأفعاله وأقواله تصرفاته وحاله! ثم يصفعك بآيات واضحات تكشف مدى المفارقة بين هذا الجحود وضعف الإنسان وفقره واحتياجه لله سبحانه وتعالى: "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد" "وخلق الإنسان ضعيفا" "هو الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة" لا يستغني عن الله طرفة عين، بمجر انحباس النفس في صدر دقائق وثواني معدودة يفارق الحياة ويسلم الروح لمولاه، ثم ها أنت تتكبر على الله وتعاند وتعصيه جهارا نهارا أ "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم"؟ ألا يليق بك الاستكانة والتضرع والانطراح على عتبته وبابه مخبتا منيبا منكسرا أواها؟!!
وفي أشد لحظات الانكسار والضعف الإنساني يدعونا القرآن أن نرفع أبصار إلى أيات السموات والأفلاك والكواكب السيارة والنجوم والأبراج، عالم فسيح بديع لا ندرك منه شيئا، عالم محكم متناسق منسجم كلما اكتشف الإنسان منه شيئا يسيرا، تعجز الألسنة في وصف دقتها ونظامها وحجمها وكنهها، فيقف الإنسان عاجزا حائرا؛ "الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون" "هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال" "رفع سمكها فسواها وأغطش ليهلها وأخرج ضحاها" "والسماء بنيناها بأيدي وإنا لموسعون" ثم يلقن لنا أن الأمور كلها تقدر هناك؛ أرزاقنا آجالنا: "وفي السماء رزقكم وما توعدون"!
وفي أوج الخضوع والتملي لملكوت السموات يلفتنا القرآن الكريم إلى طريقة التعريف بالله بآيات الأرض وعجائبها، كيف مدَّها وبسطها ودحاها، وقدر الأقوات فيها، وكيف ألقى الرواسي عليها لئلا تميد بنا "وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" عجائب لا تنقضي، وآيات باهرات لا تسأم منها العين، ولا تشبع الألسنة في تعداد معجزاتها والأذن تستملحها وتستعذب سماعها، فهل نحن قوم يعقلون لننتفع بالآيات ونتعظ ونتذكر؟!
وفي وسط هذا الوجوم والإفحام يصرف القرآن أبصارنا إلى عالم آخر مليء بالآيات والمعجزات ألا وهي آيات النعم العامة، هل سمعنا في القرآن سورة اسمها: سورة النعم؟! إنها سورة النحل "وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها" هكذا لا تستطيعون عدَّها وإحصاءها، نعمة الوحي والهداية وإنزال الكتب وإرسال الرسل "ينزل الملائكة بالروح من أمره، نعمة خلق السموات والأرض لأجلنا، ونعمة خلقنا نحن، ثم نعمة خلق الأنعام وما فيها من منافع  الدفء وشرب ألبانها وأكل لحمها، وركوبها، وذكر جمالها حين نريحها وحين نسرحها، إثرها يعرفنا بنفسه "إن ربكم لرؤوف رحيم" نعمٌ يكرر سبحانه كل مرة بأنها "لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون" "ينبت لكم به الزرع والزيتون ......" "وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه" ليقول لنا: أن كل ما في الكون "لكم" لمصالحكم، لأجل راحتكم، "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه"! لماذا كل هذه النعم "لعلكم تشكرون".
وفي نشوة التحليق في عالم النعم والاسترواح بها يأخذنا القرآن إلى طريقة الأخرى في التعريف بالله، ألا وهي التعريف بالله تعالى بآيات النقم العامة، يضع أمامنا آيات موقظة للقلوب الغافلة، فيصطحبنا جولات مع أولئك "الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب" كيف فعل ربك بعاد وثمود وفرعون ونمرود وقوم نوح وقوم لوط وقوم شعيب، كلهم تكبروا فبطروا فكفروا فأخذهم الله "فدمدم عليهم ربهم بذنبهم" "فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومن أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"
وفي وسط الخوف والهلع من مصارع المعاندين، يضع القرآن أمامنا كمًّا هائلا من التحديات والمعجزات التي وضعها الله جل شأنه وتقدست أسمائه  أمام هؤلاء المهلكين المتكبرين، معجزاتٌ وتحدياتٌ تعرفنا بالله سبحانه بعظمته ووحدانيته وقدرته وجلاله وتفرده بالألوهية؛ تحدى الله المشركين بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، وإلا فهو الحق من عندالله، تحداهم بعشر سور، بسورة، تحداهم بأن يجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ولكن هيهات أن يفعلوا. "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانقذوا لا تنفذون إلا بسلطان" معجزات أتى بها الأنبياء إلى أقوامهم فبهت الذين كفروا وما وجدوا غير المكابرة والجحود سبيلا "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"
في قمة الخنوع والاستلام وفقدان الحيلة أمام هذه المعجزات والتحديات، يضع القرآن أمامنا طريقة أخرى من طرائق التعريف بالله تعالى، وهي التعريف بالله تعالى بالسنن الإلهية التي تحكم الكون وتضبطها، نواميس كونية وضعها وفق نظام محكم دقيق لا يختلط ولا يضطرب، يوجه الأكوان والعوالم المختلفة، بل أنظمة متعددة ومتشعبة، لا يقدر البشر إحاطتها، ولا يستطيع سبر أغوارها، وكلما أدرك طرف من خيط رقيق من سنن الله في الكون يعلم مدى جهله فيتشعب عليه الأمر، وتأتيه أنهار من الأسئلة لا يجد لها جوابا شافيا، وقد صدق الحق سبحانه "وما أوتيم من العلم إلا قليلا"، إنها سنن ثابتة لا تحابي أحدا، نشير منها أزلية سنة المدافعة بين الحق والباطل "ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" معركة الحق والباطل باقية إلى قيام الساعة، تلك سنة الله، فإما أن تكون مع الحق أو أن تكون مع الباطل، لا مكان لإمساك العصا من الوسط!
وسيبقى الباطل أكثر وأطغى تلك سنة ربانية "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث"، هكذا دائما وأبدا كدوام سنة المداولة بين الحق والباطل "وتلك الأيام نداولها بين الناس" للتمحيص والتمييز، "ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم"
وأخيرا ستبقى سنة الله في دفع الهلاك والعقوبة بالمصلحين "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"، فشمروا سواعد الجد، وتأهبوا لمقارعة الباطل وأهله، لتكونوا ستارا لقدر الله النافذ "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"
ولترتقي أكثر في معارج التعرف على الله تعالى، وتدخل إلى عالم الأنس والمحبة، والطمأنينة في جنة معرفة الله سبحانه، ولتنعم تحت ظلال الأشجار الوارفة في كنف الله، أدعوك إلى الانضمام إلى برنامج معارج: طرائق القرآن في التعريف بالله تعالى!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق