الجمعة، 13 مايو 2022

لقاء بين جيمس اسوان ومرشحي رئاسة الصومال(1)

 



حوار من وحي الخيال وساخر...

في غرفة خافتة الأضواء، تحت الأرض، وبعد تفتيش دقيق لكل الداخلين وخلع أحزمتهم ونعالهم، والتأكد من هوياتهم وأنه لم يندس من بينهم مجهول يفجر نفسه على فخامة الوكيل، وذلك في زاوية محصنة من مجمع حلني المحصن (المدينة المستقلة التي لا تخضع لسيطرة الحكومة) ؛ في هذه الغرفة تدكس مجموعة من المرشحين للرئاسة، يجلسون صفا أمام وكيل الأمم المتحدة للصومال، يقدم كل واحد منهم نفسه، ويعرف بمهنته وتاريخه بصورة مقتضبة، ويفصل مشروعه (الإصلاحي) وأجندته ورؤيته لمستقبل البلاد، وكيفية تصوره للحكومة المنشودة، وسياسته تجاه القضايا العالقة، ونظرته للتعامل مع الملفات الحساسة ودول الجوار، وكيفية تعاطيه مع توجهات الأمم المتحدة، الكل يشرح بإسهاب ويتفاصح في التفنن في تقديم نفسه أنه الأقدر والأكفأ لهذا المنصب في هذا الظرف الصعب!

جيمس اسوان: يا سادة أنتم حيرتموني، اختلطت علي مشاريعكم، ولم استوعب أفكاركم جيدا، فاعذروني واعرضوا عليَّ برامجكم واحدا واحدا، ولنبدأ من اليسار، تفضل أيها الأيسر! وابدأ بالاسم الثلاثي.

مرشح رقم١: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الوكيل العظيم

جيمس اسوان: مساء النور، تفضل ولا تنس اسمك أولا!

مرشح رقم١: (لماذا لا يرد السلام) أنا طائش بن تائه بن حيران ولدت في انجلترا وترعرت هناك، ودرست في أوكسفود وانتقلت بين عواصم الغرب، وتشربت بمبادئها وفنونها، وجلس بين يدي فوكيامو وهنتنتون، وزاملت كسنجير، وتجولت بين أروقة الكنغريس، وتعرف على دهاقنة السياسة وأرباب الديمقراطية في بلاد العم سام، ولي صولات وجولات في العمل الأممي بحيث عملت ممثلا للأمم المتحدة في عدد من الدول، وكنت فارسا في جولات تجويع الشعوب، وتركيع الخارجين على النظام الدولي، بكل اختصار إن دعمتموني ووليتموني رئاسة البلاد فسوف تكون الصومال على طراز الدول الاسكندنافية، وتتحسن المعيشة، وأنهي (الإرهاب) والفقر  في أسابيع، سأجعل البلاد كعبة الاستثمارات وقبلة السياح في الفترة الرئاسية الأولى!!

بكل اختصار سأقود دولة ديمقراطية النظام، علمانية التوجه، ليبرالية الأخلاق والقيم، تقف من الأديان مسافة واحدة، مع مراعاة مشاعر المجتمع وثقافته الاسلامية لأن هذا حق دستوري، وتكفله المواثيق الدولية!

جيمس اسوان: (بصوت خافت يُسمع نفسه: ومن قال لك أننا نريد لكم هذا المثال أنت تحلم يقظة) أنت جيد قد سمعت مشروعك، من التالي؟ تفضل يا هذا.

مرشح رقم٢: أنا سيدي الوكيل، وكيل الشعب المنكوب، وناطق الطبقة المهضومة، الطبقة الكادحة، التي تأمل العيش الكريم، والاستقرار الآمن، لقد هرم الشعب وشاخ، وتعب من وعود الساسة الأجوف، مللنا من الهراء العاري عن الحقائق، سئمنا من الأيمان التي يبيِّت أصحاب قبل أن يؤدوها نكثها ورميها من الوراء، فنأمل من الأمم المتحدة راعية السلام، والأسرة الدولية وجميع أصدقاء الصومال أن يؤيد ويساند مرشح الشعب، الممثل الشرعي لنبض الشارع!

أنا سأقود الدولة إلى الوئام، وأولياتي المصالحة وتقريب وجهات النظر، ولم الشمل، وتقليل الخلاف، وتوطيد دعائم الأخوة، لأن الإخاء أساس الاستقرار،  فأنا خيار الشعب فنرجو منكم كرما دعم خيار الشعب واحترام إرادته في العيش الكريم كمثل شعوبكم!

حيمس اسوان: (وهو يتبسم من القلب بخبث: أنت كيف دخلت هنا، ما هذا الوعظ الفارغ؟

والحلم السافل؟!) طيب برافوا أنت خيار الشعب! سننظر هذا عند التصويت! من التالي؟ لقد طال المجلس، وسئمت من الجلوس على الكرسي، ولي موعد مهم مع جهات رفيعة المستوى!

الجميع: ينظر بعضهم إلى بعض، ألسنا جهة رفيعة المستوى؟!!

جيمس: ما هذه الهينمة، فليقم التالي، وليعرض ما عنده!

(ثم تحدث جلبة وطرق قوي للباب، يفتح فإذا البواب يتصبب عرقا)

البواب: (وهو أفريقي مجعد الشعر، أفطس الأنف، مفتول العضلات، قوي البنية  من جنرالات قوات أميصوم) هذا رجل يدعي انه مرشح وقد تأخر عن اللقاء إلا أصر على الدخول، وطلب ....

المرشح المتأخر: نعم طلبت أن أشارك، وألقي كلمتي امامكم، كلمة لا أراها تسركم، وتثلج صدركم، بل تحمل لكم نذير شؤم، تكرهون سماعها، وتتمون الموت لحامليها، ولكن لا ضير ان تسمعوها...

جيمس اسوان: مقاطعا... لا تكثر قدم نفسك، اسمك؟ مشروعك؟ سياستك؟ أولياتك؟

المرشح المتأخر: اسمي عبدالله بن آدم بن تراب، عبد لله يأبى المذلة والهوان لدينه وأمته ووطنه، يعترف لله بالعبودية والدينونة المطلقة، يرى المذلة كفرا بنعمة الله، أبي آدم وكفى به انتسابا للبشر فلا فرق بين لون ولون، أو بين جنس وآخر، فالكل من الأب انحدر، ومن صلبه انبثقت البشرية، مهما تفرقت في الأوطان والأجناس والألوان والملامح، وآدم من تراب ومنها كان هذا التمايز في الألوان والطباع؛ ما بين أسود وأبيض، وأحمر وأصفر، وسهل الطبع أو خشن المعشر، من سمته القظاظة وآخر شيمته الليونة والسهولة؛ كل من هذا التراب العجيب، واللكل راجع إليها ومنها يبعثون إلى المثوى الأخير بين يدي من كانت البداية منه، وإليه النهاية والمصير والمآب!

جيمس ومساعدوه: يتابعون بصمت ووجوم! هم أحدهم أن يقاطه ولكن الوكيل نهره قائلا: دعه يتنفس، فكلامه رغم مرارته ضعيف لأنه ليس له أتباع، وحيد لا سند، وإن كان يحمل أفكارا خطيرة راديكالية متطرفة!

عبدالله: نعم هذا اسمي ونسبي، أما مشروعي فهذا هو (يرفع المصحف بيده اليمنى) ترونه وتعروفونه ولكنكم تكرهون، وتتمنون زواله واندثاره، ولكن هيهات هيهات ان يتحقق مرادكم، ما دام في الأمة بقية من الأخيار قابضون على الجمر  لا يعطون الدنية في دينهم، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.... مشروعي أن أحكم بكتاب الله، وأتبع سنة الرسول في القضاء والقيادة، وسياسة الخلفاء الراشدين في الحكم وخدمة الرعية!

أعلم أنه لن يصوِّت لي أحد، ولن أحصل من الناخبين البرلمانيين إلا نادرا! إلا أنني وقفت هنا لعدة أهداف:

1.      تعكيرا لصفوكم، وإغاظتكم، وتلك بحد ذاتها عبادة يُتقرب بها إلى الله، ولتسمعوا صوت الحق مجلجلا لا لبس فيه ولا غموض!

2.      لإقامة الحجة عليك وعلى هؤلاء المرشحين الذين بستجدون عطفك وتأييدك، أن ليل الظلم والاحتلال قصير، وأن شمس الحق حتما ستسطع ولو بعد حين! والعاقبة للمتقين.

3.       لئلا تتوهموا أن الأمة ماتت فيها النخوة، واسمرأت الركوع والانبطاح بين يديكم! فإن هذه الأمة تمرض ولا تموت، تغفو ولا تنام، تكبوا ولا تنكسر، امة كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره!

فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد!

جماعة المرشحين: صفقوا لعبدالله بحرارة، وقاموا يقبلون يديه، وبعضهم يعانقه وهو يبكي! إلا واحد منهم لم يك من المصفقين ايتكبارا، كما استكبر إبليس من السجود لآدم! وكما عاند أبوجهل من السجود حين خر كل صنايد قريش سُجدا!

جيمس اسوان: في حنق شديد وقد استشاط غضبا وغيظا، وانت أيها الأبله الجالس!! هل توافقهم في صنيعهم!! كيف سولت لكم أنفسكم في الإقدام على العمل المهين لمقامي وكرامتي وفي مكتبي، وبأي حق فعلتم هذا قبل أن آذن لكم، إنه لمكر مكرتموه في المدينة، وشاوتم به في غير هذا المكان، وما كانت هذه إلا تمثيلة فارغة، لأقطعن كرامتكم، وهيبتكم، ولأستأصلن خضراءكم في خيمة (افسيوني) يوم الانتخاب وما هو عنا ببعيد!! (يقول كل هذا وهو واقف يدور ويدور في الغرفة ولا يجلس! من شدة الحنق والغضب الشديد)، نعم قم انت فقل ما بجعبتك!! وقدم نفسك!

المرشح الذي لم يقم لعبدالله يقف ويجثو على ركبتيه ويتأدب أمام حضرة الوكيل، ويظهر الولاء والخضوع!: أنا يا سيدي الوكيل اسمي؛ تابع بن طائع بن سمسار، لقد خبرت التبعية لكم أعواما ودهورا، وغذيت بالولاء والطاعة لجنابكم المعظم أحقابا وسنينا، وأتقنت السمسرة  والمكاسرة في النخاسة آمادا بعيدة، أنا رهن إشارتكم، وطوع أمركم، وتحت سمعكم وبصركم، لا أنزع يدا من طاعة، ولا أبقاني الله إن خالفت لكم أمرا، فنصائحكم أوامر، فأنتم أولياء نعمتي!

أبيع الأرض والعرض، وأتنازل عن كل الثوابت الصومالية، وأخرج عن الإجماعات الصومالية، وأهدم حصون الأنفة والكبرياء في نفوس المجتمع...!

جيمس اسوان: مقاطعا... فهمتك فهمتك لكنك تأخرت، لماذا لم تتقدم، حين كان يتكلم هؤلاء قبلك بهذه الوضاعة! انت تبدو من الطراز المفضل لدينا، فدعني اختبرتك، وعفوًا، فهذا مجرد بروتوكول متبع عندنا لكل من يتقدم لهذا المنصب الحساس!

تابع: تفضل سيدي ولا غضاضة في ذلك، قل ولا تخش شيئا!

جيمس: ما موقفك من تطبيق الشريعة؟

تابع: الشريعة والدين عموما علاقة خاصة بين الشخص وربه، وهي علاقة محصورة في المساجد والكنائس والمعابد، ولا دخل للشريعة في شؤون الحياة، وقد تطورت الحياة، وتقدمت يوم ان تحررت الشعوب من التبعية لرجال الكنيسة، وأحبار السوء ورهبانها!!

جيمس اسوان: ما سياستك تجاه حجاب المرأة؟

تابع: المرأة ككل هي مسألة المسائل، ومربط الفرس، والبرهان الساطع، والتيرمومتر الذي يُقاس به مدى تحضر المجتمع، وتقدم الدولة، فبإعطاء الحق الكامل في الاختيار لنمط الحياة الخاصة بها، والتمكين لها في المشاركة السياسة وأداء أدوارها الرئيسية في المجتمع، والسعي وراء إخراج من محبسها المشؤوم، الذي يدندن عليه التقليدون، والرجعيون الذين عفى عليهم الزمن!!

ستكون سياستي واضحة وتكون التمكين لها، وإفساح المجال أمامها لتختبر أنوثتها، وكما أنت على علم  يا سيدي عندما نعلب هذه الأفكار بهذا الطلاء الجميل أمام الرأي العام الشعبي لن يكون ضدنا، فسنوقع كل المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة وحقوقها ولن نستمع للأصوات الذكورية التي تنادي ببخس حقوقها وطمس شخصية وجعلها أسيرة البيت فقط، لا بد من التمكين للمرأة بل وتحريرها! والحجاب جزء من هذه السياسة العامة والواضحة!!

جيمس: ما هي سياسة تجاه المواثيق والقوانين الدولية والدول المجاورة عموما؟!

تابع: عموما يا سيدي لا تقلق سأكون رهن إشارتك، وأعاهدكم أن أعمل لكم مخلصا، وأن أحافظ المواثيق، وأطبقها على الواقع بحذافيرها ولكن بحنكة ودهاء ومكر نادر، ولأكونن أقدر رئيس يقوم بتحقيق ما عجز وتقاعس عنه الأولون!

وإني وإن كنت الأخير زمانه      ***         لآت بما لم تستطعه الأوائل

ولكن يا سيدي فحتى لا يفتضح أمرنا، وتتحقق لنا الأهداف والمآرب دون عراقيل، فلا بد لنا من تنفيذ سياسة الإلها وكسب الوقت، واللعب على الأوتار المتناقضة بحنكة ودهاء نادر، فلا بد لي أحيانا أن أمثل دور المناضل الحق والرئيس الصادق، والحريص على الأمة والمجتمع، فهذا لدغدغة مشاعر البسطاء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق