الأربعاء، 29 مايو 2024

إنه الزمن!

إنه لا يشبع منا ولا نشبع منه، ينهشنا، بل ويلتهمنا، يحيطنا من كل الاتجاهات، لا مهرب  ولا محيد منه، يخنقنا ويشتغل فينا، لا يترك فرصة إلا وينتهزها للانقضاض علينا وسلب ما بأيدينا، ويجرنا في خفة وتمهل إلى مثوانا الأخير، يبدو وكأنه بطيء الخطا ثقيل الحركة، ولكنه ثابت الخطو، بل وأسرع مما نتصور، حتى البرق لا يضاهيه في السرعة، أحاط على كل ما أوجده الخالق العظيم من كل جانب، لا شيء خارج عن نطاقه!! 

يبدو مملا متكررا بلا روح، نحسبه جامدا على شاكلة واحدة، يلزم وتيرة ثابتة، لا نكهة فيه! ولكنه بالعكس تماما إنه كتلة من الحركة والحيوية والفعالية، يصل إلى مراميه البعيدة بتؤدة، نتوهمه متدحرجا فوضويا عشوائيا ولكنه أكيد المفعول، يضع النقاط على الحروف، يصوب على أهدافه بكل جدارة، لا يتيه في الدروب، ولا يضيع الفرص السانحة له، إنه أعظم ما نملكه وأسهل ما نعبث به ونضيعه!! 

نكرهه ونمل منه، نمقته ونتمنى لو وجدنا سبيبلا للتخلص منه، كثيرا ما نشتكي منه ومن خذلانه، ونعلق عليه خيباتنا وإخفاقاتنا، إنه شماعة لفشلنا وحماقاتنا، ندعي ونتعلل بأنه كان علينا، ولم يكن معنا، ولو اصطف معنا لأبهرنا الثقلين، وأعجبنا البرايا، ولكنه كان لنا بالمرصاد، وكال علينا الطعنات تلو الطعنات، نذر على نفسه تنغيص سعادتنا، وتكدير صفوها، ولو لا سوء معاملته معنا، وشؤمه وتقليبه لنا ظهر المجن، لو لا ذلك كله لما تقدم منا أحد، ولما صرنا في ذيل الأمم! 

إنه قميص عثمان، بينما هو بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، إنه صبور محتسب، ساكت حازم، ليس بثرثار ولا متفيهق يدعي بما لم يعط.. 

 نملكه بالتساوي ولا نتفاضل فيه، العرب والعجم، المسلم والكافر، الثقلين الانس والجن، الكل يملك نفس الشيء نفس الكمية، ولكن المحك في استثماره والاغتنام منه، وعدم إنفاقه فيما لا طائل من وراءه! 

إنه يعمل بصمت ويدور بلا ضجيج ولا عجيح، ينقل منا أخبارنا، يرفع أحوالنا، ويسجل سكناتنا وحركاتنا! 

إنه لا يرحم لا ينسى لا يسهو ولا يتوقف في سط الطريق لهم دوخه، يعرف طريقه المرسوم، فلا ينحرف يمنة ولا يسرة..  

إن طال علينا تخور قوانا ونضعف أمام سطوته ولسعاته المؤلمة، تتقوس ظهورنا ثم ننحني بين يديه في استسلام فاضح، يحولنا إلى هياكل عظميه باليه، أنهكه الهزال والنحافة، وأقعده الضعف، عيون غائرة، وجلد متجعد أكل منها الزمن وشرب!  إنه يجمع علينا بين الضعف والشيبة، تذهب النضرة والأناقة والوسامة بلا رجعة ولا أوبة! 

نشتمه وندعي بإنه وراء كل خيبة أمل، وسبب كل ذرة نكد تحدث على ظهر البسيطة! 

نعيب زماننا والعيب فينا       وما لزماننا عيب سوانا!! 


إنه الزمن فهل أحسنا استثماره، أم تفننا في إضاعته والتفريط فيه؟!!

هناك 4 تعليقات:

  1. لا لا ،ما أحسنا استثماره بل ضيعناه باللهو واللعب وما لا فائدة فيه فإنا لله وإنا إليه راجعون *

    ردحذف
    الردود
    1. فعلا ضيعناه كثيرا ولم نحسن استغلاله، وإنه ينبغي أن نتدارك قبل فوات الأوان.

      بارك الله فيك شكرا جزيلا

      حذف
  2. احسنت التعبير ... ونسأل الله المولى أن يوفقنا باستفادته كالسلف الصالح

    ردحذف
  3. ومن زاوية أخرى تطالعك نصوص مروية بالصحاح بل أصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة، تقرر حقيقة أن الزمن يعمل فينا وأن لحظاته تعد علينا من قبيل: "لا تزال قدما عبد.. وعن عمره فيما أفناه" فتكاد الحسرة تذهب بعقلك حين تعلم أن الدقيقة تحسب عليك وتجاز عليها إن علقما أو سلسبيلا..نسأل الله العفو والستر
    تحياتي شيخي

    ردحذف