الخميس، 11 أغسطس 2016

ما أشبه الليلة بالبارحة!!

لقد صدق من قال هذه العبارة ومثيلاتها في غابر الأزمان؛ (ما أشبه الليلة بالبارحة) (التاريخ يعيد نفسه)!
نعم التاريخ يعيد نفسه، وما التاريخ إلا عبارة عن شريط يتردد عليك، فما من حدث يمر في الأرض اليوم إلا وتجد له مثيلا في التاريخ! وليس هذا جزافا أو من قبيل المصادفات العمياء، لأنه ليس في الكون ما يحدث اعتباطا.... لقد وضع الله – سبحانه وتعالى – نواميس وقوانين ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان وتبدله، فأيما أرض اتبعت سنة من سنن الله، وأخذت بأسبابه، فلا بد أن تتحقق النتيجة المعروفة عن هذا القانون الإلهي، وتؤتي أكلها – بإذنه سبحانه– لأن هذه السنن لا تحابي أحدا من خلقه، سلبا أو إيجابا، هزيمة أو  نصرا، ذلا أو عزا؛ (فالأحداث السابقة تتكرر دائما، وبصورة تكاد تكون متطابقة، فليس هناك جديد على الأرض)(1)
في هذه الأيام كنت أراجع فترة من فترات حياة هذه الأمة، فترة عصيبة أليمة.. أحداثها تبعث على القلوب أسىً، وعلى النفوس حسرة وألما.. إنها قصة عجيبة بكل المقاييس.. وعجيبة لشدة تطابقها مع واقعنا اليوم، تُرى ما هي هذه الفترة؟ إنها أحداث القرن السابع الهجري... إنها قصة الاجتياح التتري الهمجي الدموي!!!

القصة من البداية إلي النهاية تستوقفك، وتبعث على التأمل والتفكر، لكن الاختيار وقع هذا الحدث، وهو أن الملك جلال الدين الخوارزمي غزا على (إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محاربا أخاه غياث الدين حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريبا من الخلافة العباسية)(2)، وكانت العلاقة بين الدولة العباسية والدولة الخوارزمية علاقة عدائية، فرأى فيها الضعف والوهن، فأعلن الحرب عليها جهارا نهارا!! والعدو التتري قابع على مقربة منهم، يتابع الوضع عن كثب!! لقد كان زعماء المسلمين في تلك الحقبة من الزمن – كزعمائنا اليوم – عديمي البصر والبصيرة، كما كانوا فاقدين للوعي السياسي، لأنهم مفسدون و(إن الله لا يصلح عمل المفسدين)(3) فواصل جلال الدين  الزحف على أراضي الدولة العباسية حتى اقترب على العاصمة بغداد؛ عندها (خاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه، فحصن المدينة وجهز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فعلا شنيعا مقززا، إذ إنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين....!!!
 ســـــــــبحــــــــان اللَّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه..!!!!!!!!!!!!!!!

أياتي بالتتار وهو يعلم تاريخهم وحروبهم مع المسلمين ليحاربوا جلال الدين؟! حتى لو كان الظلم كل الظلم في جانب جلال الدين، والحق كل الحق في جانب الخليفة ... أياتي بالتتار لنجدته؟! أما علم أن التتار إذا قضوا على جلال الدين فإن الخطوة التالية مباشرة هي القضاء على الخلافة العباسية؟!
ماذا أردت يا خليفة المسلمين؟!
أردت أن تطيل فترة ملكك أعواما قليلة؟!
أردت أن تموت عبدا للتتار بدلا من أن تكون عبدا لجلال الدين؟! )(4)
آه!!!  كم يتكرر هذا المشهد على أرض الواقع!!! في العالم الإسلامي اليوم بدأً من نفس المنطقة عراق؛ حينما غزت أمريكا تحت ذريعة واهية، أوهى من بيت العنكبوت، ومرورا بسائر بلاد المسلمين من الشرق إلى الغرب!!! وانتهاءً بالقرن الإفريقي – الصومال – وما فعله أمراء الحرب من استدعاء ألد أعداء الأمة، ليتخلصوا من ديكتارية سياد بري، ثم ما حدث  2006م من استنجاد إثيوبيا للقضاء على المحاكم الإسلامية، بل واستنفار عام لكل الدول الإفريقية ليوقفوا مد الحركات الجهادية الصاعدة في المنطقة، فدخل في السباق كل من أوغندا وبرندي وكينيا، وسيرليون، بل حتى دول من العالم الإسلامي مثل جيبوتي.
 وما زالت السلسلة مفتوحة؛ سلسلة الكرزايات في العالم الإسلامي!!!!
ولا يكون هذا – بطبيعة الحال – دفاعا عن جلال الدين وأمثاله اليوم، بل نلومهم جميعا على تفريقهم لكلمة المسلمين، وجعل بأسهم بينهم، وما أشبه جلال الدين بكثير من زعماء العالم الإسلامي، بل بمن يتشدق للعمل للإسلام، والذود عن بيضته، المتمسحين بمسوح الجهاد!!

لكن (وبرغم كل هذا التدني في الأخلاق وفي السياسة.. إلا أن الحل لا يكون أبدا أن نأتي بقوة كافرة مهولة مروعة لنزرعها داخل بلاد المسلمين تحل لهم مشاكلهم، وتعالج أمراضهم!!
لقد كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله كالمستجير من الرمضاء بالنار... كان كمن بغته لص صغير في بيته، فأسرع بالاستنجاد بأكبر لصوص المنطقة، فجاء اللص الكبير وأزاح اللص الصغير، ثم سرق هو البيت، بل ولم يكتف بذلك بل سرق البيوت المجاورة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..!!)(5).
فاعتبروا يا أولي الأبصار..
لقد أسمعت لو ناديت حيا                   ولكن لا حياة لمن تنادي!!
إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور!!!
أخي القارئ فشكرا لك على صبرك مدة قرائتك لهذه السطور المتواضعة، وأنصحك أن ترتوي الماء من نفسك، وتراجع كتاب الدكتور راغب السرجاني، قصة التتار من البداية إلى عين جالوت، لترى بنفسك مدى التطابق الكبير بين فترتنا هذه وتلك. لترى العجب العجاب.
وصدق الله إذ يقول: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)




(1)  قصة التتار من البداية إلى عين جالوت، د.راغب السرجاني، ص:5
(2)  نفس المصدر: ص:77
(3)  سورة يونس:81
(4)  قصة التتار:ص:77
(5)  نفس المصدر:78

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق