الخميس، 1 يونيو 2023

عظمة الشعر الصومالي ! (1)


للشعر مكانة عظيمة عند الصوماليين، فهو سجل تاريخهم، وحامل أمجادهم وأيامهم، إن الشعر في حياة المجتمع الصومالي لا تقل أهمية من قيمة الشعر في حياة العرب؛ إذ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه" لأن الأمية كانت سائدة في المجتمع، فكان الشعر وسيلة الإعلام الوحيدة، التي تحمل الأخبار وتسجل التاريخ، ويتناقل عبرها الأجيال أمجاد آبائهم وأجدادهم وأيامهم الغرر، فأيما قبيلة نبغ شاعر منهم استبشرت وعقدت الولائم وأذاعت خبره في الآفاق فخرا واعتزازا!!

يقول الشيخ جامع عمر عيسى في مقدمة كتابه الذي جمعه بأشعار السيد محمد عبدالله حسن، والذي سمَّاه بــــــديوان السيد محمد عبدالله حسن" وهو يتحدث عن الشعر والشاعر ومكانتهما بين الصوماليين القدامى: "لقد كان للشعر والشاعر بين الصوماليين القدامى قيمة ومكانة عظيمة، إذ كان يتمتع باحترام وحفاوة طافحة، كما كان يحظى برعاية خاصة ويُعطى من الأموال عن طيب نفس تقديرا لمكانته؛ لأن الشعر كان يمثل أحد أهم الأسلحة الذي يُعول عليها في الذود عن حمى العشيرة، مثلا حين يتم تعبئة الجند للغزو لا بد أن يكون في البعث شاعرا، وعند الغنيمة له سهم إضافي كانوا يطلقون عليه "ناقة الشعر"

لا جرم أن الشعر يمثل أن أحد أهمِّ المصادر التاريخية التي تعطيك صورة صادقة عن الإنسان الصومالي في تاريخه المديد؛ لأنه مجتمع الكلمة الصادقة والشعر السائر، بحيث خلد الشعراء أيام قبائلهم بقصائدهم، وكان يمثل أيضا أهم وسيلة إعلامية تنقل الأخبار، وكان أيضا سجلا خالدا يتوارثه الأجيال يحمل لهم الحكم والخبرة والطرف، والقصص الملحمية عن الجدود العظماء الذين عاشوا في ربى القرن الإفريقي زمنا سحيقا غير محدد.

إن المتأمل للشعر الصومالي – إن كان صاحب ذوق وفهم لهذه اللغة – يصاب بالذهول لعذوبة هذا الكنز العظيم، وإنك لتعجب كم كان الأدباء والشعراء متفننين في تصوير المشاعر وقراءة الأحداث البسيطة، يستنطقون الجمادات والحيوانات، وينسجون على ألسنتهم تحفا أدبية وشعرية راقية تستعذبها النفس، وتستمرؤها الأذن، ولا تسأم الروح من الطرب لها!

إن الشعر إحساس صادق يعتمل في صدر الشاعر، فيأخذ ريشته البديعة، وينسجها حروفا مذهبة، تلمع لمعان البرق فتخطف الأبصار، وينظمها لآلئ كالزبرد والمرجان يستهوي الناظر ويدهش لبَّه، يتملاه مستملحا مطربا لهذه الألحان الشجية التي تسمع أذناه، وإن أعظم الشعر ما كان نابعا عن عاطفة صادقة، وإيمان عميق للفكرة التي  يريد تقديمها عبر قصيدة شعرية مزخرفة، مزدانة بأبهى الحلل الأدبية الراقية، فإذا فُقدت العاطفة الصادقة والإيمان العميق، فإنها تتحول إلى مجرد رصٍّ للحروف، وتكلف مصطنع في التقويف والتركيب الركيك، والتصنع في المحافظة على الوزن والهندام الزائف للقصيدة، فتخرج باهتة غير مؤثرة، لا تحرك عواطف الناس، تخرج ميتة، وتمر خاملة وكأنها لم تكن!

ولم يغفل عن هذاالمعنى الأدباء والشعراء الصوماليون تطبيقا وتنظيرا لهذا يقول الحكيم والشاعر الفحل المتمكن الذي قلَّ نظيره في القافية الصومالية؛ الشاعر عبدالله معلم طودان وهو يتحدث عن الشعر وأنه عطية وهبة ربانية، ولا يجدي نفعا في التصنع والتكلف:

“Dirqi gabaygu kuma fiicniyo waan darooryamiye

Kaga dayasho door kuma noqdiyo, xaraf la doondoone

Duxna kuma leh dheef lagu dalbiyo, ugu ducee ruuxe

Dardarsiintu way u darantahee, marin-daygaa u roone

Darsi ma aha la is baro xigmadi, way da’wayn tahaye

War waa deeq Ilaah baxshiyo, doobir gooni ahe”

في هذه الأبيات القليلة يصف لنا عملاق الشعر الصومالي معلم طودان رؤيته عن الشعر وأخلاقيات الشاعر، فهو يرى أن الشعر لا ينبغي أن يكون تصنعا وتكلفا وثرثرة فارغة، كما أنه لا يبلغ شأوا ولا يكون له معنى في التعسف في التقليد ومراعاة القافية والوزن، وأنه لن يجدي نفعا في الاسترزاق والتزلف إلى الأشخاص واستنزال الرزق بمدحهم وثنائهم، وأن الدخول في عالم الشعر بلا روية ولا تأن وبغير تعبيد الطريق والتفكر في الممرات الآمنة للحبكة الشعرية الراقية أمر غير مقبول وغير نافع، كما أنه أيضا ليس درسا يمكن تلقينه للآخرين وتعليمه للغير فهو حكمة عظيمة القدر والمقام، وأنها منة وعطية ربانية خاصة ونادرة!

وإن من أعظم الأشعار التي تستهويني وتثير إعجابي ودهشتي، تلك الأشعار التي خلَّدت بطولات الحرية والجهاد والنضال من أجل الخروج من التبعية والعبودية للطغاة والكفار!

إن الإنسان الصومالي شخصية بدوية عاشت قرونا مديدة حياة ملؤها الطلاقة والحرية التي لا تقيدها قيد، هذه الحياة أكسبته مرانا وألفة مع الحرية بحيث لا يتصور إمكانية العيش تحت الإستحمار والإستعباد (الاستعمار)! وهذا ما جعله من ضمن أطول الشعوب جهادا ونضالا ومقاومة للمستعمرين!