الخميس، 11 أغسطس 2016

إلى أختي الجامعية

لقد تخرجت بحمد الله من مدرسة الأمومة والأبوة، ونهلت من معينهما العذب، وقد أنعمك الله على أن أنبتك نباتا حسنا إذ زرعك من بين أبوين مسلمين ملتزمين، لقناك دروس الحياة ووفرا لك أسباب العيش، ونورا لك الدرب، وما ادخرا جهدا لإسعادك، ثم التحقت بحمد الله الخلاوى وعلمك أبوك القارئ المعلم خير كلام وخير كتاب؛ القرآن الكريم، وانضممت إلى قافلة حملة كتاب الله عز وجل.
ثم التحقت المدرسة النظامية وتنقلت من فصل إلى فصل بنجاح، وما زلت تستظلين بظلال نعم الله الوافرة التي لا تنقطع من عباده، ومما أنعم الله عليك وعلينا أن حفظك من الساقطات والساقطين، الذين سقطوا عن قطار التعليم في المراحل التعليمية من الابتدائية والأعدادية والثانوية، فكم جلست مع طلاب في فصل وسقط البعض عن القطار، وما وُفقوا إكمال المشوار.
تخرجت من المدرسة وجاء دور الالتحاق ودخول الجامعة، عند هذه المحطة يجب أن نتوقف ونتفكر مليا، ونسأل أنفسنا بعض الأسئلة الملحة التي أراها ضرورية ومنطقية تحتاج إلى إجابة شافية وواضحة.
ماذا تعني الجامعة بالنسبة لك؟ وما المقصود من التحاقها؟ وكيف تتسم هذه المرحلة التعليمية؟ ما هي التحديات والصعوبات التي في طريقك؟ ماذا يجب أن تحذري؟ وماذا تجتهدين عليه؟ كيف تتعاملين مع البيئة الجديدة وكيف تتكيفين مع الواقع؟ مع الطلبة مع المعلمين مع أسرة الجامعة؟ كيف تفهمين هذا الواقع؟ ما هي الأمور التي تحذرين من اقترافها؟ ..... كل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تسألي نفسك وتبحثي لها جوابا.

إن الجامعة مكان يلتقي فيه أصناف المجتمع المختلف خلقا وخلقا، وهدفا ووجهة، البعض يأتي إليها تأسيا وتماشيا مع معارفه وأبناء جيرانه، أو إرضاء لوالد يخاف من عقابه وعتابه، أو لأنه رأى أترابه قد التحقوا بالجامعات فكره أن يكون وحيدا في المؤخرة، فاسئلي نفسك أختاه هل جئت لهذه الأسباب  أم أنك جئت لتسفيدي علما وتنهلي من معين المعرفة بهمة لا تعرف الكلل والملل، بهمة تناطح الثريا، وتجوب فوق السحاب سموا ورفعة، لتكوني من المعلمات الملهمات للأجيال القادمة، ولتكوني صاحبة رسالة لأهلك وأمتك وللعالم أجمع.
الجامعة محضن العلم والمعرفة، وأعلى هيئة تعليمية في العصر الحديث، وهي المكان الذي يتلقى فيه المتعلمون فنون المعرفة، ويتم في داخلها وفي قاعتها، ومراكز بحثها تطوير العلوم، وانتاج الجديد والطريف، وعصرنة التراث الماضي ليوائم الحاضر، وليكون نبراس لبناء المستقبل بشكل أفضل.
أمنيتي أن أراك معززة مكرمة، مصونة محتشمة، نجمة متألقة في سماء العلم والمعرفة، يتأسى بها الجيل النسوي القادم، وأن تضربي للناس مثال المرأة المؤمنة  التقية النقية، الطاهرة العفيفة، العالمة المتعلمة، تعرف دينها ودنياها، وتدرك ما لها وما عليها من حقوق وواجبات، وتتبوأ مكانتها اللائقة بالمجتمع، وتلعب دورها، وتؤدي مسؤولياتها كاملة غير منقوصة.
كوني مصونة:
إنك تعيشين في زمن طغى فيه الشر واستفحل الباطل،  وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فابتلينا ببلايا وآفات يصبح الحليم لهولها حيرانا، انقلبت الموازين، واختلت المقاييس، أصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا، كما أشار الحبيب صلى الله عليه وسلم، أصبح الحجاب رمزا للسخرية والاحتقار، والاستقامة رجعية وتحجرا، وتأخرا عن ركب الحضارة والتمدن!! فانتبهي ولا تخدنك ترهات أهل الباطل، وكوني يقظة، معتزة بدينها وإيمانها واستقامتها، واجعلي أسوتك سيدة نساء العالمين التي وصفت أحسن حياة للمرأة: بأن لا يراها الرجال ولا ترى الرجال.
إن هذه المرحلة التعليمية تتسم بالتشعب وغزارة المعلومات التي تجابهك، بينما كنت في المدرسة محصورة بين دفتي مقررات مغلقة فإنك في هذه المرحلة أمام أمواج متلاطمة من المعارف والخبرات، فكوني حذرة، ولتكن عينك مفتوحة، وتترسي بالتعاويذ وآية الكرسي، والتجئي بالله فإنه نعم المولى ونعم النصير.
إن العلم لا يحصل بالمنى ولكن بالجد والاجتهاد، وبذل الوقت النفيس، وهجر الكرى، والسهر على المطالعة والمذاكرة الدائبة، فحذار أن تكوني ممن شعلتهم التوافه عن المقاصد، وألهتهم مناظر الطريق عن غاية السفر، كالسوائم لا ينظرون إلا ما بين أقدامهم، فاجلعي همتك في الثريا، ولا تقنعي ما دون النجوم العلى، واجعلي أهدافك سامية سمو السماء، ورفيعة رفعة النجوم، ونبيلة نُبل أهداف أهل المكرمات من السابقين الأولين.
إذا غامرت في شرف مروم  ****  فلا تقنع بما دون النجوم
كل من تلقاه في دروب الحياة يأخذ منك ويعطيك، ويترك في نفسك أثرا حسنا أو سيئا، باقيا أو مؤقتا، فاعط الناس أحسن ما لديك، واتركي في نفوسهم أثرا حسنا، واجعلي لنفسك لسان صدق في الآخرين؛ بأخلاقك المتزنة، وسجاياك النبيلة، وكوني مثلا للشخصية المسلمة الملتزمة، فالالتزام والاستقامة هما صمام الأمان والنجاة في الدنيا والآخرة.
إن هذه المرحلة التعليمية والعمرية لها تحديات، ولكنها تبقى تحديات للتفريق بين أصحاب الهمم والطموح الذين لا يأبهون للعقبات، ولا تعيق مسيرتهم تحديات، وبين الأقزام أصحاب الهمم الضعيفة والنفوس المضطربة التي لا تعرف التضحية للأهداف السامية، هذه التحديات ما هي إلا آلية لتمييز الخبيث من الطيب، وإظهار معادن الناس وخيارهم.
وأولى هذه التحديات هو أن تعرفي ذاتك، وكيف تتصرفين بطريقة صحيحة في كافة الأحوال، وكيف تأخذين القرار الصحيح والخطوة الصحيحة نحو الاتجاه الصحيح، لأن من ينجح في معرفة شخصيته ويفوز بضبط تصرفاته وانفعالاته في كافة المواقف الحياتية، فهو الناجح الفائز، ورحم الله امرئً عرف قدر نفسه، وأوقفها عند حدها، ولا تقولي: أنا أعرف قدر نفسي وأتحكم على تصرفاتي، لأن هذا بداية الغرور وخداع النفس، ولكن سددي وقاربي، واجتهدي على الفضائل، وكوني قليلة الكلام في الفصول والنوادي، إلا فيما يهمك ويعنيك، ولا تكوني كالفراشة تحوم حول النار فتهلك.
فكوني في الحرم الجامعي وفي أروقة الدراسة وقاعات المحاضرات، رمز الوقار والأناة، والجد والمثابرة على طلب العلم، ومدارسة العلم مع أهله، ولتكن غايتك العظمى في الجامعة؛ تحصيل العلم، والارتقاء بمستواك المعرفي وفقط.
ولا تقبلي بحال من  الأحوال أن تكوني أضحوكة تُستخف وتُستهزئ بها، أو أن تكوني فريسة سهلة في شراك ما يسمونه بالحب والغرام الممنوع، فهو في الحقيقة ضرب من العبث والخيال، فلا تنخدعي بكلمات معسولة، وعبارات رنانة براقة، زين له الشيطان زخرف القول غرورا، فقد قرأت وسمعت كثيرا أخبار من اغتر بالكلام المعسول، فجنى على نفسه وأهله، وندم ولات حين مندم.
اعلمي أنك جوهرة – عفوا أنت أغلى من الجوهرة – غالية ونفيسة، لا يستطيع الوصول إليه إلا من تحمل وعثاء السفر إلى جنابك، وصبر على عناء البحث فيك؛ فلأجل الجواهر يغوص الغواصون في البحار ويتكبدون المشاق من أجل جماد سموه جوهرة؛ فكيف بمن سولت له نفسه أن يتشرف في الشراكة معك في الحياة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق