الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

الإسلام بين غلوين!


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى.... وبعد:
فإن الإسلام بطبيعته الإلهية التي أنزلها  الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأراد له أن يكون بعد الرسول هو أن يكون دينا وسطا، وأمته أمة وسطا، نبيها يشهد على أمته، وأمته تشهد على الناس "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" على هذا أخرج الله إلى الوجود الرعيل الأول من هذه الأمة، هذا الجيل الذي استقى من النبع الصافي؛ الوحي، الممثل بالقرآن المنزل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فتوجه هذا الرعيل الفريد إلى هذا النبع ظمئانا عطشانا، فارتوى منه وتشبع من الإسلام والإيمان الحقيقي كما أراد الله وشرح رسوله بأخلاقه الكريمة، فخرج إلى الوجود جيل رباني قرآني نبوي، تربى على عين الله ورعاية رسوله صلى الله عليه وسلم، فشهد الله له بالخيرية  "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ولكنها خيرية مشروطة بصفات وسمات إيمانية أخلاقية لا بد أن تتوافر في الأمة "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" أمة أريد لها أن تكون رائدة البشر وقائدها، وتقع على عاتقها مسؤولية إصلاح الأرض، وحفظها من عبث العابثين، وإفساد المفسدين.
فقام الصحابة لأداء الوظيفة والأمانة بعد نبيهم، فسادوا الدنيا والآخرة، بهذه الخيرية والوسطية التي تربوا عليها، رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم على قواعد الخيرية والوسطية، وأخذ أيديهم إلى الكمال البشري المطلوب، وحذرهم كثيرا من الغلو والتفلت، ففي يوم من الأيام جاء ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، وسألوا عن أحواله، فاستقالُّوا ونذر كل منهم على عمل، فلما بلغه ذلك صلى الله عليه وسلم قام في الناس خطيبا فقال: ..... فمن رغب عن سنتي فليس مني" وهذا قمة التحذير والتنفير من التنطع، "لن يشاد الدين أحد إلا غلبه".

وحذرهم من التفلت والتميع ورباهم على الجد في العمل بالدين، مصداقا لقوله تعالى: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة" فكانوا نعم الجيل، إذ قاموا بدورهم على تربية التابعين على الجدية وعدم التميع والتضعف، ففي يوم من الأيام رآى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أناسا مرقعي الثياب، يمشون ببطء، وتمسكن، فعنّفهم قائلا: لا تميتوا عنا ديننا.
الاسلام دين الجدية بدون تنطع، ودين الوسطية بدون تفلت وتميع، لا يقبل الضعف والتسيب، ولا الغلو والتنطع. فمن لم يفهم الإسلام بهذه الطريقة، لم يفهم طبيعة وحقيقة هذا الدين!
في عهد النبوة كانت الفتن تتحطم تحت نيازك وصواريخ الوحي القرآنية منها والنبوية، وفي زمن الخلافة الراشدة كانت الأمة راشدة، إلى أن خرجت الخوارج إلى الوجود فتنطعوا، فكفَّروا بالذنوب، ثم جاءت المرجئة على نقيضها؛ لتخرج الأعمال عن مسمى الإيمان تفلتا وتمييعا.
ثم انفرط عقد الفتن والأهواء فما إن تنطعت مجموعة وغالت في الدين إلا وخرجت أخرى على نقيضها، فبذلك كثرت الفرق التي عُرفت في التاريخ الإسلامي بـــــ "أهل الأهواء" لأن جلَّ أفكارها كانت قائمة على أهواء الرجال وآرائهم المصادمة لشريعة الرحمن السمحة، دين الوسطية والجدية، لا دين الغلو والتفلت.
إن المتأمل لعجلة تاريخ هذه الأمة يرى بما لا يدع مجالا للشك، أن الأمة كانت – وما تزال – تعاني من مجموعتين متقابلتين تمام التقابل،  متضادتين؛ المتنطعين والغالين في مقابل المتفلتين والجافين!
الأولى: جاوزت الحد وما توقفت على القسط والعدل والحق، فحملهم الشيطان على الإفراط ومجاوزة الحدود بغير انضباط على أحكام الله تعالى.
الثانية: انحطت إلى الحضيض وتفلتت من القيود الشرعية، فحرفت دين الله. وأفرغت مضمونه، فتفننت في التفريط على جنب الله، والتقصير عن الحد المطلوب.
نعم هناك تشددان كما يقول الدكتور النابلسي وكلاهما منبوذان في الإسلام:
الأول: تشدد غلو وتنطع وتطرف.
والثاني: تشدد تفلت وتميع وتسيب.
فالأول له أعداء كثر، يهولون ويحذرون ويؤلفون حوله الكتب والمجلدات. بينما قلَّ وندر من يحذر الناس من الثاني! والإسلام يحاربهما معا.
والطريف أن أصحاب النوع من التشدد من شدة هروبهم من التفلت والتميع غلوا في الدين وتنطعوا، وأصحاب النوع الثاني من شدة حذرهم من الغلو والتطرف، تفلتوا وتميعوا، وأصبح دينهم أرق من كل رقيق، كريشة في مهب الرياح، أينما تميلها الريح تمل.
وكل ذلك ممنوع مرفوض في دين الله!
فخطر المتنطعين لا يخفى في الغالب على ذي عينين، ومن كان له أدنى إلمام بالعلم الشرعي، - إذا سلم من الهوى والفهم الخاطئ.
أما المتفلتين فيمكن أن يخفى على الناس أمرهم، لأنهم يكثرون الاستدلال بقوله" وكذلك جعلناكم أمة وسطا" ويظهرون أنفسهم الحكماء الواقعيين، ويستدلون "أفتان أنت يا معاذ" "يسروا ولا تعسروا" وهي أحاديث صحيحة ولكنها وضعت في غير موضعها.
ومن الطريف أن ترى متفلتا عن أمور الدين، يرتكب بعض المخالفات، فتدعوه إلى الالتزام والجدية في العمل، والرجوع إلى جادة الصواب والحق، فيصرخ في وجهك "ساعة وساعة يا حنظلة" وكأن معنى الحديث: ساعة في المسجد في طاعة وعبادة، وساعة في غيرها في اللهو والضياع، ومقارفة المعاصي.
إننا نعيش في زمن اختلط الحابل بالنابل، وانتسب إلى الإسلام من يستغِل بعض مفاهيمه الأصيلة ليضرب به حقيقة الإسلام، وما لم نفطِن لتلك الممارسات العفنة، والأيادي الخبيثة التي تزوال تلك الأنشطة التخريبية من داخل الإسلام؛ فإننا سنندم في ساعة لا ينفع معها عويل أو ندم.
ولكن الأدهى والأمرَّ من ذلك أن أعداء الإسلام الحقيقيين فطنوا إلى قدرة بعض المصطلحات الشرعية التي يمكن أن يتلاعبوا بها، ويدسوا السم فيها، فدخلوا في أعمال تنقيبية للنصوص الشرعية ليستخرجوا منها ما يخدم مآربهم وأغراضهم الخبيثة، ليضعوه على لسان ذلق مأجور يجيد التمثيل والرقص على الذقون!.

ومن أكثر المصطلحات التي جرى التلاعب فيها في السنوات الأخيرة من حياة هذه الأمة وتم استغلالها استغلالا سياسيا ماكرا؛ الوسطية، الغلو، والتطرف، الإرهاب، العنف! وما زالت الصفحة مفتوحة وآخرها المسلسل الدرامي في الشيشان على مأدبة عشاء فلاديمير بوتن! حول تحرير مصطلح من هم أهل السنة والجماعة!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق