الخميس، 11 أغسطس 2016

عباقرة التخريب والتشطير

غريب أمرهم فلا تكن منهم!
تجارتهم في القيل والقال، والوقيعة بين المسلمين، وغمز ولمز الدعاة والمصلين، فرحتهم إذا رأوا خطأً من داعية، يحسدونه في إلقائه، يتهمونه بأبشع الأوصاف، يحملون (ألسنة حداد) سهامهم على المصلين والموحدين، وعتابهم على مرتادي المساجد والصلواة، على الذين قال الحبيب في حقهم (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)
لا تراهم في الشوارع والأسواق يهدون ضالا، ويرشدون ضائعا، سيوفهم مسلولة على حاملي همِّ الدعوة، عندهم فن الكلام والتنظير العقيم، أما في ميدان العمل؛ فتراهم في مؤخرة الركب، متثاقلين متكاسلين.
يؤنبون الناس على الابتعاد عن تعلم الدين (القرآن والسنة) والعمل بهما وهم من أبعد الناس على العمل بتعاليم الإسلام، يتساءلون: لماذا العري؟ ونساؤهم وبناتهم العاريات! لماذا الجهل عن الدين؟ وفي بيوتهم من لا يحسن الصلاة.
تتبع عورات المسلمين، والسعي بينهم ابتغاء الفتنة والشحناء، من سماتهم، يوقظون الفتن إذا نامت، ويبعثونها إذا ماتت، ويشعلونها إذا انطفئت أو خمدت.

إذا تكلموا عن الصلاح والتقوى كان لسان حالهم نحن الصالحون الأتقياء! وإذا تحدثوا عن البدع والضلال كان لسان حالهم: من لم يكن معنا في التفكير والتنظيم، في  المشرب والوجهة، فهو منحرف زنديق ضال مضل، جاهل أحمق معتوه.
إذا تكلموا عن لحوم العلماء أحسنوا وأجادوا في التحذير من الوقوع في أعراض العلماء الربانيين! وخطورة الوقوع والخوض في شأنهم، وبيَّنوا ما ثبت عن الحبيب صلى الله عليه وسلم في حقهم ومكانتهم الوراثية للأنبياء، وشرفهم النابع عن حملهم لأمانة الرسل في الدعوة إلى الله الواحد الديان، وتعبيد الناس لرب العباد، فإذا تواروا عن أنظار القوم، وخلا بعضهم ببعض رأيت الهول والخطب العظيم، سهام وراجمات صواريخ، ومدافع أرض – أرض، تدمر بكرامة أعراض وشرف من لم يكن منهم في الحزب من العلماء!

جماعتهم الفرقة الناجية والباقون إلى جهنم يحشرون ومن طريقها واردون، ومن أبوابها السبعة يدخلون، وفي السعير يَصْلَون، لهم مقاعد مميزة من النار! أاطلعوا الغيب أم اتخذوا عن الرحمن عهدا؟!!
 قتالهم جهاد وكفاح مشروع، وسبُّهم وشتمهم ولمزهم وغمزهم نقد بناء، وذكر للحقائق التي شهدوها وعاصروها، ووضع للحروف على النقاط، لتستبين سبيل المجرمين! والمجرمون في ميزانهم من خالفهم في الانتماء الحركي أو الفكري،  وإن كان الخلاف في إطار الشرع مستساغا!

إذا تعرضوا للدعوة ومنهجها فهم العارفون بأمرها والغواصون بلججها، المنافحون عنها منذ الأزل، بأيديهم مفاتيحها لا يكون داعية وواعظا إلا من ائتمر بأمرهم، وأصبح رهن إشارتهم، وأطاعهم في المنشط والمكره وأثرة عليه! وإلا فهو متطفل متزلق، يركب طريقا صعبا لا يناسبه، يسبح في غير ماء، يتجشأ من غير شبع، يقتحم ميدانا لا ينتمي إليه، ويقحم نفسه ما لا تطيق، يتصنع شعار العلماء ودثارهم من غير بضاعة!
شيخهم عالم فذ نحرير، وإمام مبجل خادم العلم وناشر الهدى والرشاد، وقائدهم ملهم مطاع لا يسئل عما يفعل وغيرهم يسئلون، بينما العلماء الآخرون ما هم إلا حثالة منافقون ضالون مضلون! وربما بالغوا وقالوا سرا وأحيانا جهارا نهارا: دعاة أبواب جهنم، لسان حالهم: من أطاع شيخا غير شيخهم قذفهم إلى النار والبوار، والعار والشنار!
من ناقشهم شكاك غشاش، كفر بالمنهج والطريقة المثلى، فهو إلى الضلال يهوي، وإلى الانحراف يتردى، ألبسوه أردية النخاسة والنذالة، وأوسمة القبح والفشح في الظهيرة!

عيونهم ساهرة على عباد الله السائرين طريق الاستقامة، وأفئدتهم تحفظ المتشابه والمختلف فيه، وآذانهم تعي الترهات والتخاريف، مشاؤون في النميمة (ولا يدخل الجنة نمام) كما ثبت عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
"إذا رأوا هفة صرخوا وصاحوا كالشيطان وطاروا بها وفرحوا" إذا أخطأ غيرهم فلا لهم بعذر، وإذا كان منهم فهم فلاسفة التبرير والتمرير، وجاءت الأعذار متنوعة جاهزة طازجة، بل كان هذا إجتهادا يثاب عليه، لأن المجتهد إن أصاب له أجران وإن أخطأ فله أجر واحد! يا لها من فلسفة عظيمة!
هم أولوا الألباب والنهى وأرباب العقول السليمة، والتفكير المنطقي الواقعي الصائب، أصحاب البصيرة النافذة، والنظر البعيد، والحس المرهف! أهل للتدريس والصدارة، والاقتداء، أهل الفطنة والذكاء الخارق!
أما غيرهم فحمقى مغفلون، لهم آذان لا يسمعون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها! يتبعون كل ناعق مهين، أراذل الناس وحثالتها ومن لا يقدرون الأمور حق قدرها، لا يستحقون الصدارة والتدريس، جهلهم مركب مضاعف مستطير.

إذا عملوا فأعمالهم خالصة نقية نظيفة، كانت على السنة صائبة خالصة، لا تشوبها شائبة، ولا يداخلها رياء أو خيلاء، وإذا تكلموا عن أعمال الخلق نبشوا القلوب والنيات وصنفوا الأهداف والغايات التي وراء أعمال غيرهم، إذا كان الشخص من غيرهم فمجروح مطعون متهم، وإذا كان منهم فعادل ثبت ثقة ضابط حافظ إمام، (علماء في الجرح والتعديل المعاصر)!
يحسنون هدم صروح الإخاء والمودة والصفاء، ولا يجيدون مد جسور التواصل، والتراحم والتكاتف والتعاون، مُهَرة في مادة التفريق والتشطير والتخريب بين المؤمنين، مجالسهم غيبة ونميمة، وأندية تجريح وتعديل مسيس، ولقاءاتهم مؤامرات بلبلة فكرية، لا مؤتمرات لملمة الفكر، وتجميع الماء، وتوجيه البوصلة، ورص الصفوف، وتقليل التصدع والتشقق، الذي أصبح سمة الأمة في هذا العصر! 
دعاؤهم في خطب الجمعة والمناسبات (اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك) دعاء للأمة أم دعاء على الأمة؟! فإذا أذل الله أهل المعصية من الأمة فماذا يبقى؟ من منا لا يعصي الله؟ من منا لا تنتابه لحظات غفلة وغيبوبة الحس الإيماني الذي يحجز عن المعاصي؟ فإذا ضرب الله الذل والهوان على كل مرتكبي العصيان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون حالنا!

وكأن الشيخ العالم فصيح الحجاز علي بن عبدالخالق القرني كان يعنيهم حين قال: (لا نزال نسمع عن كثير ممن قل حظهم من مراقبة الله وخشيته والخوف منه، ونسوا حظاً مما ذكروا به، لا تحلوا لهم مجالسهم، ولا يقربون في حديثهم، ولا ينبسطون في جلساتهم حتى يتناولوا أعراض عباد الله القائمين بأمر الله، من علماء الأمة، ودعاة الملة، ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،من الذين جردوا سواعدهم لرفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذين بذلوا أوقاتهم وأنفسهم لله عز وجل، في وقت خرست فيه الألسن، قالوا وقد سكت الناس، ونطقوا وقد خرست الألسن، وجاهدوا في وقت ركن فيه كثير من الناس إلى الدعة والسكون، وأخلدوا إلى الحياة الدنيا وملذاتها، وتسابقوا إلى الوظائف والمناصب، ومع ذلك فقد قام هؤلاء المخلصون بأمر الله لا يبتغون إلا رفعة وإعلاء كلمة الله، ودحر الباطل وأهله من أعداء الله، تجد هؤلاء الفسقة! بل كثير منهم يسارع إلى تناول أعراض الدعاة، وتتبع عوراتهم، والتلذذ بالحديث عنهم في المجالس، يلمز هذا، ويتكلم في عرض هذا، ويردد ما أشيع عن هذا، لم تتورع ألسنة بعض هؤلاء من اختلاق الأكاذيب، وإلصاق التهم بهم، وترديد بعض الأباطيل التي تلصق بهم، والتي هي والله من اختلاق أعداء الإسلام وخصومه! الذين تتقطع قلوبهم غيظاً، وهم يرون راية الدعوة إلى الله ترفع في هذه البلاد (والأمة ترنوا إليهم، وتنصت لهم بكل ثقة!) لأن هؤلاء المحتسبين من الدعاة والعلماء يُقِضُّون مضاجعهم، ويفسدون عليهم ملذاتهم، وسكرهم وعربدتهم، وفجورهم ودعوتهم إلى منكرهم، ولهذا فإن كثيراً من هؤلاء يلفق التهم والأكاذيب، ليرميهم بها فيتلقفها خفاف الأحلام والسذج من الناس ويطيرون بها فرحاً يبلغون بها الأفاق)
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم *** أو سدوا المكان الذي سدوا
دأبهم وديدنهم الكيل بمكيالين، إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون! إذا كان الحق لهم يدافعون ويضعون جميع النصوص الشرعية لصالحهم طوعا أو كرها، وإذا تعلق الأمر بغيرهم بخسوا الناس أشياءهم! ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون، ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، أما سمعوا قول الله في الحديث القدسي: ( من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب) أما وعت أفئدتهم قول الله العزيز ذي القوة المتين: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً (
نسأل السلامة والتوفيق والهدى والرشاد

غريب أمرهم! فلا تكن منهم! وأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل!

تلك طينة ممن انتحلوا شخصية الصحوة الإسلامية، وركبوا موجة الأمة السائرة إلى الله بلهف وشوق، بعد سقوط الخلافة الإسلامية، فجنت تلك الطينة النتة على الأمة الويلات والنكبات، وقادت الأمة إلى المهالك والتحارب والاقتتال الداخلى، والارتماء تحت أحضان الأعداء، فأبعدوا الشقة، وأطالوا طريق الأمة بجنايتهم تلك، ولا يزال حضورهم موجودا، وسعيهم لتعطيل المسيرة مستمرا دؤوبا متواصلا، بلا ملل ولا كلل، عباقرة في فن التخريب والعطب!
هذه الفئة ليست جماعة معينة وإنما هي صفات وسمات تتحلى بها جماعة بعضا منها، وتأخذ الأخرى القسط الآخر، تكون في شخص يسيء اسمها، أو سياسة واضحة من الجماعة للانفراد بالساحة، عمت مشارق أرض الإسلام ومغاربه، غير محصورة في قطر أو بلد، تطاير شررها في الآفاق، فذاقت الأمة الأمرَّين.

 فجمعتها في هذه السطور المتواضعة علها تصل إلى الجنان، وتعيها أذن واعية، لتعم الفائدة، وليحذر المخلصون من مغبتها، وليكونوا على بينة أمرهم، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة.
فاللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى به أهل معصيتك، ويا رب وحد صفوف المسلمين واجمع شملهم على الحق والإيمان، وأعل كلمتهم وانزع ما في صدورهم من الغل كما تنزع الغل من صدور المؤمنين يوم القيامة، إنك على كل شيء قدير ويالإجابة جدير.

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع جدا

    ردحذف
  2. شكرا لك على ما أبذلت من جهود مكثفة ، وجنبنا الله من العجب بالنفس وغرور الشيطان .

    ردحذف