الثلاثاء، 25 يوليو 2017

ليلة خارج كسمايو ... عبر وعظات


"قل سيروا في الأرض فانظروا" أمر إلهي عام للخروج من المألوف، عن مسقط الرأس والمسكن أو منبت الشعبة والأهل، للسير في أرض الله بهدف الاعتبار والاتعاظ، والنظر إليها نظرة ادكار وتفكر وتأمل، وقراءة ما فوق الأرض وتحتها بعيون مفتوحة يقظة، لتعرف عظمة من فطرها، وتدرك قدرة وجلالة وعلو من أرسى الرواسي عليها لئلا تهتزّ أو تميد بساكنيها، وأنبت الزرع والنبت، والحب والبذر أشكالا وألوانا شتى، بطعم ونكهات متباينة حتى؛ ولتستيقن سعة خزائن من أحياها بعد موتها، وبث فيها من كل البهائم والدوابّ والهوام! فسبحانك ربي ما أعظم شأنك، وما أبدع صنعك "صنع الله الذي أتقن كل شيء".
لن تجد اختلالًا في الأرض والسماء بل وفي الكون كله، مهما حاولت وأجهدتَ نفسك وأرهقتها بحثا عن عيوب أي عيب؛ سترجع حسيرا خائبا كئيبا "خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير".

دوامة الحياة في المدن والحواضر المكتظة، تنسيك وتفقدك الكثير من الذوق الرفيع، والإحساس المرهف واليقظان، وتدرك حينها لم كان الشعراء القدامى، والأدباء النجباء في الفصحى، حين كانت الحياة في البوادي أغزر وأعمق وأثبت مبنى ومعنى، ولم كانوا أدق تصويرا وأكثر قوة وجزالة وتحبيرا بالمقارنة بالشعر والأدب المعاصر المحشو بالغث الكثير والقليل من الثمين، بعد أن تطفل على مائدة الشعر والأدب التوافه والسوقة ومن لا خلاق لهم، ولا تربط بينهم وبين الأدب وشيجة، ولا يمتون إليه بصلة، إذ تغلبه سمة التكلف والتقعر! – وليس العبد الفقير بمنأى عن هذا – مما أفقد الأدب رونقه  وجذابته ورقته وعذوبته المعهودة والمألوفة، حين كان الرجال الفحول يقودون ناصية الكلمة، ويأخذون بفودى رأسها فتتمايل لهم طربا، فتجود بأعذاب الألحان في نشوة لا توصف، ويصونون عرضها وشرفها من اغتصاب غريب، أو سرقة أفاك مقطوع الأصل مجهول النسب والحسب،حيث أصبح منزوع
الدسم، محكوما باليتم والعقم البواح – إن لم يتداركه لطف الرحمان فيبعث فيه الحياة وينفث الروح من جديد – لا يجاوز الحلق والبلعوم، صعب المرور فاقد التأثير! فإلى الله المشتكى.
كانت الثامنة مساء حين ظعنا من المدينة باتجاه الشمال الغربي، حيث تعيش أم آدم الذي صحبناه في تلك الرحلة الرائعة الممتعة!
الأرض قد لبست رداء أخضرا، بعد أن أجدبت دهرا، وازدانت بالنباتات المتنوعة بعد فترة من انقطاع الغيث والقحط! ما يذكرني بأبيات إبراهيم بن سهل حين كان يصف "جمال الأرض في بلاد الأندلس بخضرتها وأريجها المعطـّـر" فيقول:
الأرض قد لبست رداء أخضرا                       و الطل ينثر في رباها جوهرا
هاجت فخلت الزهر كافورا بها                     وحسبت فيها الترب مسكا أذفرا
وكأن سوسنها يصافح وردها                        ثغر يقبل منه خدا أحمرا
والنهر ما بين الرياض تخاله                           سيفا تعلق في نجاد أخضرا
وجرت بصفحته الربا فحسبتها                    كفا ينمق في الصحيفة أسطرا
وكأنه إذ لاح ناصح فضة                                 جعلته كف الشمس تبرا أصفرا
والطير قد قامت به خطباؤه                         لم تتخذ إلا الأراكة منبرا

حينها استحضرنا الآيات الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والتي تتحدث وتصور في مشاهد رائعة، وبقدرة فائقة لتبسيط المركب الغامض؛ لحظة إنزال الماء من السماء وتأثيره على الأرض بعد أن كانت يابسة، جرداء قاحلة مقفرة، ويستعمل القرآن أسلوبه البديع الأخاذ في تقريب المعاني إلى الأذهان والأفهام، وتشبيه المحسوس الحاضر المشهود بالمعنى الغيبي المفقود، أو جعل الغيب حاضرا مشاهدا بالأبصار، ومن ثم وبلحظة خاطفة يربط مشهد إحياء الأرض بعد موتها، بمشهد إحياء الموتى وخروجهم من المقابر سراعا، إلى أرض البعث والنشور ليوم الحساب، فيستقر المعنى في القلب، وتهدأ النفس ويسكن اللب، لتلك الحقيقة الناصعة، الغائبة الحاضرة، والحاضرة الغائبة في آن واحد.
 وأستطيع وبجرأة شديدة أن أزعم أن فهم العديد من نصوص الوحي المنزل، لا يحصل بالقدر  والصورة المثالية المطلوبة، إلا بقطع الرتابة والألفة الطويلة، والابتعاد قليلا عن طاحونة الحياة في الحواضر المزدحمة للتأمل والتفكر والخلوة! "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم" مهما تصورت في خيالك إن لم تقف على لحظة التسريح والترويح وما فيها من جمال لا يوصف لا تفهم حقيقة الجمال في هذه الآية، الإبل في مباركها أو حين تأتي في العتمة وما تصدره من أصوات مميزة؛ من البُغام والرُّغاء والخرس والهدير والصآلة والرزف والبغباغ والجرجرة والقصفة والكركرة، والغنم بثغائه ومأمأته، والبقر وخواره، إن لم تقف بنفسك على هذا فلن تستقر الآية وإيحاءاتها في خلدك.

ما إن تبتعد من المدن حتى تشعر أنك تدلف إلى حياة ملؤها البساطة والصراحة والصدق والوضوح، وعدم التكلف والتفلسف، خالٍ من الأقنعة المزيفة، وألوان الخديعة المصطنعة ... كل من تلقاه يحدثك بكل اطمئنان، ويعطيك فرشة كاملة لوضع المنطقة التي تتجه نحوها، ويضع أمامك آخر المستجدات في ناحية سكناه، وظروف الأهالي هناك؛ الماء، الكلاء، المرعى، الصحة، الأمن، حتى قبيلته التي ينتمي إليها، ومن يجاورهم من القبائل أو الأفخاذ الأخرى، وعلاقة بعضهم ببعض، وذلك طبعا حين تبادله المعلومات نفسها من جهتك، إلا إن كنت تسعى إلى إخفاء هويتك لمآرب أخرى، مما يتطلب منك لباقة وبراعة في انتزاع المعلومات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر!
حياة بلا تعقيدات، تخرج إلى الهواء الطلق، وتستنشق النسيم العليل، تروح وتغدو كما يحلو لك، تُروِّح عن نفسك حيث شئت، حياة شعارها: لا حواجز ... لا حدود ... لا منغصات ... ولا مكدرات!
لا صعوبات تذكر إلا ببعض آثار الحروب الدائرة بين الفرقاء التي أشرفت على إتمام عقدها الثالث على التوالي، بعد سقوط الحكومة المركزية، كل يوم بشعار جديد، ولافتات طازجة، وبأبطال وممثلين جدد، تقودهم مآربهم ومطالبهم الآنية، غير آباهين بمستقبل البلاد والعباد، ينفذون أجندات وإملاءات خارجية، حروب بالوكالة توجهها أطماع توسعية صليبية ممتدة عبر الحقب، وضارب في جذور التاريخ، كل ذلك لتركيع الإنسان الصومالي الذي أبى الخنوع والركوع طواعية، وقتل هويته وإذلاله ليتنازل عن دينه الحنيف، ويسلم أرضه وبلاده وما حواه من خيرات فوق الأرض وتحت الأرض! حروب لم تتوقف لحظة منذ أشرقت الرسالة المحمدية، ووطئت أقدامها فوق ثرى أرض الهجرتين، معارك يقودها الأحباش الأوباش بمعاونة العالم الصليبي أجمع.
ولكن مما يدفء الروح، ويسكن الرُوع أن الإنسان الصومال البدوي ما زال يحتفظ بطبعه الأصيل، وسجاياه النبيلة، وأخلاقه الجمة، قمة في العراقة والسخاء، والنبل والنقاء، والأصالة والعطاء، لم تكدره الحوادث والدوائر، ولم يتغير رغم ما ألم به وبوطنه من خطوب ومصائب، وما خاضه من مغامرات أو كابده وعاناه من مؤامرات؛ مضيافا للطارقين، معينا للملهوفين، مجيرا للمستأمنين، مفديا بهم بالغالي والنفيس، ربما لا أبالغ حين أتمثل قوله تعالى في قصة إبراهيم : "فراغ إلى أهله فجاء بعجل حنيذ . فقربه إليهم" ... كل ذلك وأكثر ذكرناه بسبب تلك الحفاوة والضيافة والخدمة الرائعة التي تلقيناها في حضرة  حبيبة عبده سهل  أم آدم، ضيافة لا تلقاها في قصور الملوك والأمراء والرؤساء؛ كؤوس تدور، ترفع قصعة وتوضع أخرى، خدمة مميزة أرقى من خدمة فنادق خمس نجوم، بل لا تضاهيها ولا تدانيها وأحسب أن التشبيه ظلم!
ولقد كان الأديب الصومالي الصاعد حسن محمود قرني ذي القلم السيال، على حق حين قال عن الإنسان الصومالي في التاريخ: "كانت الصومال منذ القدم (وأضيف وما زالت رغم وجود بعض التشوهات) مكانا لأنبل الرجال وأجمل النساء، وموطنا يحضن رجالا نحيلي الأجسام، بيضي العمائم، سمر الجباه، مزركشي الأثواب، الإبل كان مفخرتهم وأساس حياتهم في مضاربهم الممتدة بإمتداد شرق أفريقيا، ومجالس الشعر، ونوادي النثر والسمر على ضوء القمر قرب مبارك الإبل أو مشارف الحي متنفسهم الأجمل. الروابى المعشبة، وهامات الجبال أو الصحاري المترامة هي تكاياهم في زمن الحرب والترحال، وفي موسم الرخاء والسلام ... .سجيتهم الشهامة، وإكرام الضيف، والبأس عند الوغى، والشجاعة، والذود عن المحارم والمقدسات صفاتهم".
استوقفتني علاقة آدم وأمه، وكيف تداعبه وتهدده وكأنه في المهد، دعابات لا تتوقف، نداءات حانية، أسماء تحمل في طياتها معاني التفاءل والأمل، تناديه بـــــــــــ "يا نور"؛ نور لعينها؛ نوَّر حياتها إذ جاء بعد أولاد ماتوا عنها ولم يعمروا إلا قليلا، وبذلك أصبح ولدها البكر، بعد طول تضرع وابتهال لمولاها الكريم، فامتن عليها بذلك النور الذي أضاء حياتها، فبذلك رمانة وريحانة آل علي كماندوس، ولم أعلم قبلها أن معلم آدم ذلك الرجل الصعب المراس يدعى بنور، أو هكذا يعود طفلا بين يدي أمه الحنون، فيا لعظمة الأم، ويا ويل من يعقها ويجحدها، أو يبخس عقها ولا يقدرها حق قدها.
أمي أنت الهناء، أنت الطهر والنقاء، أنت الحياة والهواء، أنت الأمل والرجاء، أنت السعادة والنماء، تحت أقدامك الجنة الفيحاء، والفردوس العلياء، والروضة الغناء ... أمي ما الدنيا تخضرُّ إلا بوجودك، وما تُظلِم إلا بفقدك ... أمي أحنُّ عبارة، وألطف كلمة، وأرق لفظة تزدان به اللغات، وتنطق به الألسن والهجات، بحنانك أرويت الأنام، وأسعدت اللئام والكرام، لأنك أجود من خلقه العزيز الرحيم، وأفاض في قلبك العطف والحنان، والرحمة والرأفة،  تُعطين، تنفقين، تجهدين، تتعبين، ترهقين، تجوعين، تسهرين، وتتألمين من أجلنا نحن، ولكن بدون مقابل، بدون انتظار معروف، بدون طلب أجرة خدمة.... شخصية فذة خلقت لتعطي وتجهد وتبذل، لا لتأخذ العوض والبدل! عطاء لا ينفد ومعين لا ينضب! فيا رب ارحهمها كما ربياني صغيرا. ويا رب رحماك لكل الأمهات المسلمات، الأحياء منهن والأموات.
أمي، تعجز الكلمات عن وصفك ووصف ما تحملينه من سجايات وخلال، لأنك بحر بلا ساحل، ولجة لا وصول لقعرها، أنت الكهف الآمن الذي تأوي إليه الأنفس المرهقة، والأجساد المتعبة، وتَرد إليها القلوب الظامئة، والأفئدة الملهوفة، يأتيك الجنان الفارغ الولهان، فيصدر من حنانك شبعان ريان!
عبدالفتاح علي محمد يَيْ القارئ البارع، والخطيب المفوه، كان إمامنا في الصلاة، صاحب الروح المرح، يرتل آي القرآن بصوته الجهوري فيدوي في الغابة دوي النحل، وكأن الصوت ينبعث من مناطق متعددة من الغابة.... ثم نسلم فيضاحكنا حينا فتهاجمه النعاس ولا يطيق عنها حِوَلًا ولا يملك لها دفعا، فيستسلم إليها سريعا، تغلبه عيناه! هكذا اعتدنا أن نقول حين ينام أحدنا، ولكن أفلا نفكر قليلا ونتأمل لنسبر حقيقة النعاس، والسر وراء جعل اللهِ الليلَ لباسا وقرارا ومحطة سكون ونوم، والنهار معاشا وطلبا للرزق والسعي وراء فضل الله في الأرض... النعاس والنهار والليل من الآيات الدالة على عظمة الخالق العليم الخبير الحكيم، الذي قدر الأقدار بحكمة، ووضع الأشياء في مواضعها بعلم وخبرة.
لقد اكتشفنا خلال الرحلة أكذوبة الحزازات القبلية، والفرية السارية التي تقول بوجود عداء بين القبائل الصومالية، إذ وجدنا ورأينا بأم أعيننا اجتماع كافة أطياف القبائل الصومالية، من أقصى هوية إلى أقصى دارود في حوض نهر جوبا! ناهيك عن وجود كافة القبائل، الأفخاذ والبطون الأخرى جنبا إلى جنب، يجمعهم الدين، والنسب والمصاهرة، والسعي وراء الكلأ والمرعى، مما يطرح عليك بوابل من الأسئلة التي تبحث عن إجابة شافية: أين تلك المعارك التي يقولون أنها بين القبائل؟ وما طبيعة المصالحة التي يدندن عليها بعض الغوغاء؛ أبواق الغرب وأذياله؟ ومن هو المسؤول عن إشعال المعارك المفتعلة في بعض المناطق تحت ستار القبلية؟ وما هي الأجندات المخفية تحت الطاولة؟ من يمول الحروب؟ ومن يجند؟ ولصالح من؟ وبأمر من؟ ومتى يستفيق الإنسان الصومالي من سباته العميق ليدحر عن نفسه غبار الوهن والضعف والخور والجبن، ويمتلك ناصية المبادرة، ليستعيد مجده التليد؟
فجأة وبلا مقدمات يُسلم علينا شاب فارع الطول، قوي البنية، بهي الطلعة، نحيل الجسم، يسأل عن إسماعيل آخر العنقود – كما يقولون – لأسرة علي كماندونس وأصغر فلذات كبد حبيبة أم آدم، لأنه عهد له – هو وصديق له يدعى عبدالقادر –  في لقاء عابر في الطريق مساء، أن يأتي بيته ليسقيهما   من حليب الإبل، وينزلا في ضيافته الليلة، فاستبطأه فجاء يطلبه ليفي لهما بوعده!! سبحان الله! ما احوجنا شيئا من أخلاق آبائنا في محافظتهم وإيفائهم للوعود والعهود وحرصهم عليها ... إنه مثال حي يبعث الأمل في النفوس قائلا: ما زال في الأمة خير كثير، وهي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره، كما ثبت في هدي خير الورى صلى الله عليه وسلم.
أهل جد وعمل، وكد ومغالبة للمصاعب مهما كان حجمها، وصبر ومصابرة، وعدم التمسكن والتضعضع للمهمات الصعبة ديدنهم، الرجال والنساء يعملون معا للقيام بالواجبات المنوطة على الأسرة، مريم فتاة في ريعان شبابها، في عمر الزهور، لم تلوث طبيعتها أخلاق المدينة، ولم يفسدها عري المائعات، ولا تفسخ المتمدنات زورا وبهتانا، كما لم يقتل جمالها مستحضرات التبيض – كما زعموا – بل تتمتع وتحتفظ بشرتها السمراء لونها الأصيل الميز، ولم تتنكر عن موروثات آبائها وأجدادها النبيلة من الحشمة والعفة والطهر والنقاء، والمحافظة على لعب دورها في الحياة كفرد في الأسرة، والاستعداد كأم وربة أولاد مستقبلا، تعمل بجد بلا ملل أو تذمر، لم أر مرة تجلس أو تتنهد تعبا أو تكاسلا، من عمل إلى عمل، بصورة دائبة تشعر أنها تتلذذ وتستمتع في حياتها. قارن بينها وبين أترابها في الحاضرة؛ تنهد وضعف وكسل وخمول وخور، نؤوم إذا ما دعتها أمها تململت فوق الفراش، أو داعها زوجها تدثرت بثياب التمارض عجزا وضعفا.

كانت فعلا رحلة ممتعة أعطتنا قسطا من الراحة، ووقتا للاستجمام، والخلوة والتفكر والتأمل، لم تخل من قراءة المجتمع الصومالي، ماضيه وحاضره ومستقبله، وما يكابده من مصاعب ومتاعب، كما لم تخل من الطرف والملح والنكت المتبادلة، والحديث عن امكانية الرحيل إلى البادية والعيش فيه، بعيدا طواحين المدينة وتكاليفها، فتنها وفسقها، ولا أنسى الضحكات المجلجلة، حين قلت لرفقاء الرحلة آدم وعبدالفتاح: تعالوا نستهم ونقترع لأينا يتقدم لمريم، ويبنيها في الريف لتكون له خير من يتكيف الحياة بعيدا عن الحواضر المزدحمة ، وكيف تقدم أحدهم وأبدى شجاعة وإقداما، وتأخر الآخر فأحجم واستسلم، وخرج من السباق!

هناك تعليق واحد:

  1. ومن الذكريات الخالدة في تلك الليلة أنه وكما أشار الأخ بعد أن نام الأخ أبونعيمة الطوبلي أتي بإناء فيه حليب الإبل فكان الأخ الرفيق والصديق الحميم ابن الشهيد شعيب يأخذ بيده رأس الأخ النائم أبونعيمة الطوبلي يوقظه ويناوله الشربة الأولى إيثارا على نفسه لأخيه كما تفعل الأم الحنون بولدها الوتر، ولكن مع شدة التعب والتعمق في النوم والتلذذ بالأجواء العطرة والهواء النقية لم يستيقظ الأخ من نومه بل كان ينطرح من يد الأخ على المطاطة التي كانت كالفراش الناعم بل وأكثر تمتعا في تلك اللية، ما أحلى الذكريات والتنزه مع الأصدقاء، بعيدة عن الأحقاد والضغائن، فيها اللذة والمراح والمزاح والمزاج.
    أشكر الإخوة جمعاء مع تحياتي لكم من صميم قلبي.

    ردحذف