السبت، 14 نوفمبر 2020

وافق محمد زهرة!!


 

أبشر بيوم عيد، على أمل الدوام بالفرحة والسرور، والهناء والحبور، أبشر بيوم عز، يوم تضاء فيه أنوار الدنيا، وتتراقص الحروف لتجود بأغذب الألحان، وأندى الأنغام، ويتجمع الشعراء لتجود الحناجر الذهبية بأعظم الأوزان، وأقوى القوافي، وأظرف الأسجاع، لتتحرك المشاعر وتبتهج النفوس، وتثلج الصدور، وتشيع السعادة في قلوب الحزانى، وتشبع جياع الفرح والطمأنينة، وتتحول الأجواء ساحة طرب وبهجة، فيهيج الوجود كله بمجراته وكواكبه ونملاته وحبات بذره الضئيلة ليشارك هذا الحدث العظيم، الذي يكتب به التاريخ من جديد، وتصاغ الأوضاع وتهدأ الأرواح وترتاح بعد طول عناء، وتخر الجباه سجدا، شكرا لله على ما أسدى من نعم، وأجاد به من منن، وعظيم فضله في قبول الدعوات.

أسعد لحظات الحياة، تلك السعادة التي تأتي بعد طول انتظار لها! ... فرحتنا هذه تفتحت أزهارها قبل أن تولد! وانعقد العزم نحو السفر إلى مرابع أهلها ومنابت شعبتها قبل أن تلحق قافلة الوجود!

لا لم تكن مخطؤا! وما كان الوالد والشيخ الوقور برسمه لك مسارات الحياة، ومطباتها، ودروبها ومنعرجاتها المختلفة؛ بمجانبٍ للصواب، لقد وضع الحروف على النقاط، وأصاب كبد الحقيقة حين قال لك وجها لوجه: (یاولدي ویا فلذة کبِدي حين تبلغ مبلغ الرجال ويشتد ساعدك، ننظر هنا وهناک بین العشیرة والقباٸل التي حولنا نبحث قرشية تلیق بک!) لقد كان ينطق ببصيرته وفؤاده قبل لسانه.

أما سفرياتك وصولاتك وجولاتك في بلاد البونت يمينا وشمالا، طولا وعرضا، فقد كنتَ تحسبُها شؤما وخسارا، حتى توهمتَ أنك رجعت بخفي حنين، وكدتَ تستسلم لليأس والقنوط، إلا ما كان يلطمك وينبهك من قول الحق: (ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين)... حتى لاح برق لامع، والبرق خُلَّب، وعنًّ سرب من الظبي بدا وكأنه يخفي في زحمته ما لأجله ضُربت أكباد الإبل، وأقلعت طائرات، وابتعدت الكرى من المقلتين وسُهِد، لكنه ما فتئ أن ظهر على حقيقته فاختفى كأنما ساخ في الهواء، أو غاص في المحيط الهندي، أو ابتلعته الأرض فلم نسمع له همسا ولم نجد له أثرا!!

لا ولا وألف لا، فلم تكن ولا يوما مخطئا، مهما قيل عنك ما قيل، وتهامست النفوس على ظهرك، أو سلقوك وجها لوجه، وأنّبك المحبون، وتأسف الأصدقاء، وشمت الحساد والمبغضون، رغم هذا كله كنت دائما على الطريق الصحيح تمشي نحو الغاية بخطى الواثق للوصول ولو بعد حين، تبحث عن تلك القرشية التي اختفت وراء سراديب برقود، تلعب وتمرح، تصبح وتمسي على أرض الهجرتين، معقل النبل والكرم، ومهبط الغازي قاهر الأحباش الأوباش، مسكن العلم والعلماء.. في تلك القرية النائية تفتحت أزهارها، واستنشقت هواءها الطلق التي لم تعبث بها زخات الرصاص، ودخان المصانع، هناك كانت الزهرة تنمو وتتفتح، تنتظر فارسها أحلامها ليقطفها، ولكن يد التدبير والقدر العجيب للملك الحكيم، الذي إذا أراد أمرا هيأ أسبابه، حمل هذه الزهرة بعد صلاحها ونضجها بلطف وحنان نحو المحيط الهندي، وظلت يد الباري تعمل عملها الذي لا نجد له تعليلا، بل إن الكلمات لتعجز عن وصفها، والتعبير عن كيفيتها..

لا لم تكن مخطئا في تلك الرحلات، من كسمايوا وأنديتها، ومقديشوا وضواحيها، وجودي وبواديها، وقبريدهر وسهولها، وجكجكا وفنادقها!! نعم لقد تعبت من الجري وراءك قرشيتك حتى ناديتها وعرضت شكواك عنها في الشبكة العنكبوتية وأطلقتَ رسالتك المفتوحة لها حين قلت مخاطبا إياها وأنت لا تعرفها في أي السراديب والكهوف تختبئ: (فهل تتفضلين وتخرجين من سردابك الذي اختفيت به؟! هيا اطلعي في أي البيوت تعكفين وتعجنين وتطبخين، من هو أبوك هذا ليستضيفني في بيتكم لتفكي الأحاجي والألغاز، ولتلتقي المياه على أمر قد قدر!! وليقول الناس بعدها "وافق شن طبقة"!) 

ها نحن نقول والأكوان تردد وتعزف لك ألحان الفرح: لقد وافق شن طبقة؛ وافق محمد زهرة!! فطب خاطرا، وعش عزيزا مكرما، مرفوع الرأس، مطمئن الجنان، في بيت عز مع توأمة الروح، وشريك الحياة التي لطالما انتظرناها معا! وقد جادت سماء طوبلي يوم عقد القران، كما انهمرت الديم فوق كسمايو يوم جاءت اللبؤءة لتزف إلى عرين أسدها الهزبر، وهذا أمر له دلالته التفاؤلية، بأن الخيرات ستتوالى على حياتكما، وتظل السماء تمطر بخيراتها على مسيرتكما في هذه البسيطة.

والطريف أنه لم يكن بين هذه الرسالة المفتوحة وبين ظهور الزهرة إلا ستة أشهر!!

فبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق