الثلاثاء، 10 يوليو 2018

لا يجوز الخروج على الحكام مهما فسقوا!!





جلس على المنبر يلقِّن الناشئة والمعتكفين في المسجد عقيدة أهل السنة والجماعة، وابتدأ كتيبا أو رسالة لأحد الأئمة الذين عاشوا في القرن الثالث الهجري، وكان الإمام يقرر في تلك الرسالة بعض القضايا العقدية، ويرد على بعض الفرق والطوائف المنحرفة في تلك الحقبة الزمنية التي عاصرها!!
فلما جاء على هذه الجملة "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن فسقوا وفجروا" أسهب في الكلام وأطنب في الشرح والبيان حتى قال أنه ما كان ينبغي الخروج على طواغيت  العرب الذين تساقطت وتهاوت عروشهم تباعا أيام الربيع العربي، أولئك الذين ما بكت عليهم شعوبهم بل تنفسوا السعداء يوم خرجوا من المسرح مغضوبين عليهم، شدّد في الكلام وأكّد أن الخروج على القذافي وعلي صالح وبشار ومبارك وبن علي، كان خطئية ارتكبتها الشعوب بحماقة، واغتروا بحماسة المتحمسين!! وذلك استناد إلى هذه العقيدة التي هي من صميم عقيدة أهل السنة والجماعة؛ الفرقة الناجية، وأنه لم ينتج من الخروج عليهم إلا شرٌّ محض لا خير فيه!! سبحانك هذا بهتان عظيم!!
وهكذا ذهب الرجل يُرعِد ويزبد، ينظِّر ويفلسف لهذه الفكرة العرجاء الغريبة على الإسلام، حتى قال وما قصة الصومال وما ورثناه من الثورة والخروج على زياد بري عنا ببعيد!!!
أصبت بدوران رأس، وصداع لا زلت أعاني منه حتى هذه اللحظة وأنا أدون أسطري هذه، حاولت أن أفهم مشكلة الرجل وما الذي حمله على هذا المركب الصعب؟ وما الذي دفعه ليخلط الأوراق ويجمع النقائض بهذا الأسلوب الفج، فرأيت أن الرجل يعاني من أزمات مركبة، أشدها أزمتان إحداهما شخصية والثانية تاريخية.

أولا: الرجل له تاريخ طويل مع مشروع جهاد فاشل، ما جعله يسحب كل أخطاء حركته، ومشروعها الذي انتحر بأيديهم، يسحب كل هذا على دروسه ومحاضراته، بحيث يسعى إلى تبرأة ساحته من تهمة الإرهاب والإنتماء إليه، لذا يستميت لمناصرة منهج الطاعة والصبر المطلق على الأنظمة الحاكمة في الأقطار الإسلامية، مهما فسقوا وفجروا وغيَّروا وبدَّلوا !!
ثانيا: وجدت أن الرجل يخلط خلطا فاحشا بين حقبتين زمنيتين لا علاقة لهما، ويسعى سحب أزمات القرن الثالث الهجري وما بعده وفقهها إلى القرن الخامس عشر!!  إنه يريد  تنزيل فقه تلك العصور الذهبية الذي كانت السيادة للإسلام والمسلمين في المحافل الدولية، على عصر الضمور والاستضعاف الذي أصبح المسلمون أيتاما في مأدبة اللئام، وكما قال الشاعر عن تيم:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم  ***  ولا يستشهدون وهم شهود
عصر كانت الكلمة العليا واليد الأعلى والكلمة الأخيرة للشريعة، وكان الإسلام هو الميزان الوحيد للحياة، وكان الحكام المسملون يقودون الجهاد، ويصلون بالناس، ويبعثون السرايا، ويحفظون الثغور، ويذودون عن بيضة الإسلام، ويقيمون الدنيا ويقعدونها إذا مُسَّت كرامة امرأة مسلمة في عمورية وصاحت وامعتصماه!!  تتلقى تلبية ندائها كالبرق أمام عينيها بالأفعال لا بأقوال وتنديد أجوف!! أو استعطاف الأسرة الدولية!! بل وترى المدينة التي انتهكت فيها حرمتها تتحول إلى حظيرة الإسلام، والعلج الذي داس كرامتها يصبح عبدا لها، سبحان الله مغير الأحوال !! 
هؤلاء الحكام المسلمين الذين حكموا العالم الإسلامي بأزهى عصوره من جميع الجوانب علميا واقتصاديا، عسكريا واجتماعيا وسياسيا، كانت تقع منهم هنَّات، حيف وظلم وجور لا يخرجهم من الإسلام، ولا يسلب شرعيتهم وأهليتهم، لهذا أفتى علماؤنا الأجلاء في تلك الفترة حرمة الخروج عليهم!
فجاء صاحبنا هذا ليسقط هذا الفقه على واقعنا نحن في هذا القرن، القرن الذي تحولت الشعوب المسلمة إلى "جواخير غنم" على حسب تعبير الدكتور النفيسي، تقودنا أنظمة ارتكبت كل الموبقات والطامات، "أنظمة تضاجع الشيطان منذ ستين سنة، وتعيش مع الشيطان في فراش واحد" أنظمة تستمد شرعية وجودها من الولاء للخارج ودعمه ورعايته، من العم سام، لا من الشريعة والرعية!!
استبدلوا الشريعة بالدساتير الوضعية الإفرنجية مع طلائها بمادة مخدرة منومة ومضللة وهي"أن دين الدولة الإسلام"!!! والوا الكفار؛ اليهود والنصارى، واتخذوهم أولياء من دون المؤمنين يبتغون منهم العزة والمنعة، وتناسوا أنّا "قوم أعزنا بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله" كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه.
إن هناك من يسعى تحويل الإسلام – بقصد أو بغير قصد – إلى دين كهنوتي ظلامي رجعي يشرعن الظلم والفرعونية ويقره ويدافعه، دين تحمي الأقويا والمستبدين المستكبرين في الأرض ولا تحمي الضعفاء، وكأنه ليس الدين الذي ما جاء أصلا إلا لتحرير الإنسانية من العبودية لغير الله بجميع صورها وأشكالها، دين الحرية والتوحيد، ونفض كافة أنواع الشرك، ومحادة الله ورسوله، كما فهمه الصاحبي الجليل ربعي بن عامر – رضي الله عنه – ثم نقله إلى رستم حين استفسره عن سبب خروجهم من أرضهم "نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
الإسلام الذي صان حرية الكافر وحفظها من الإهانة بل اقتص له حين انتهكت حريته، وقال على إثرها القاروق قولته الشهيرة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" هذا الإسلام الواضح الذي لا يداهن في قضية الحرية وجعلها قضية القضايا هل يعقل أن يقر أو يأمر أهله بالرضى بعبادة المستكبرين بطاعتهم والخضوع لهم، والتسبيح بحمدهم بكرة وعشيا؟!! ذاك محال.
لذا على الشباب أن يصحوا، ويفتحوا أعينهم ليفرقوا من الغث والثمين، والسم العسل، ويحذروا هكذا دعوة وفتاوى معبدة مذلة، واقرؤوا إن شئتم "عبيد بلا أغلال" للدكتور حاكم المطيري لتدركوا عاقبة هذا الفقه المعوج! ثم اقرأوا كتابه القيم "الحرية أو الطوفان".
زبدة: إياك أن تتنازل عن حريتك لطاغية، وحذار من الانخداع بأباطيل سحرة فرعون!!! واعلم أنَّ الدين لا يقبل التنازل والمداهنة في المبادئ!!
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى به أهل معصيتك. اللهم آمين.

هناك تعليق واحد:

  1. ماشاءالله مقال في غاية الحق وبيانه كتب الله أجرك واحسن إليك فضيلة الشيخ والأستاذ المربي

    ردحذف