الأربعاء، 23 أغسطس 2017

مقاومة الصراصير الآدمية!


ألم يعتصر في القلب، ودموع تفيض فيضانا ولكن إلى الداخل، أنين وعويل ولكن لا يسمعه الجليس، حين أرى بقايا الخيِّرين الأطهار يتم إخراجهم من سياق التاريخ ومن واقع الأمة، إما بإسقاط رمزيتهم، وتشويه سمعتهم، وتحويلهم إلى عِلكة يلوكها الناس في نواديهم، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، أو يتم إطلاق التهم عليهم جزافا تحت دعوى النقد البناء وإظهار الحقائق للبسطاء، وما دروا أن البسطاء هم، عميت أبصار عن رؤية الشمس في رابعة النهار، فراحوا يصيحون: أن لا شمس في كبد السماء!
أو حين أراهم مطاردين مشردين ليسكتوا وإلى الأبد رميا بالرصاص أو في غياهب السجون المظلمة، ليخلو لهم الجو كيف شاءوا ويعيثوا في الأرض الفساد!
ولكن وبقليل من التفكر والتأمل مليا في التاريخ، أدركت أن لا شيء جديد هنا، وأن أصحاب الباطل لا يطيقون ذرعا بوجود الأطهار بينهم، فتذكرت قول القائل: “ود صاحب الفسق والمعصية لو فسق الناس جميعا لئلا يكون نشازا بينهم” فهم يريدون الجو ملبدا وملطخا بالقاذورات والأوساخ لأن هذا أكثر أمنا بالنسبة لهم، وبإمكانهم العيش والحياة في هذا الجو العفن؛ لأن من الحيوانات من لا يعيش إلا في المزابل والبالوعات فقط، فهم صراصير آدمية يريدون أن يحولوا البلد إلى خلاء ليتسنى لهم الحياة وإلا سيفنون ويموتون!
فالمسلسل مفتوح منذ ابتدأه ابن آدم الشقي حين قال لأخيه الطاهر: “لأقتلنك” فأجابه الطاهر: “إنما يتقبل الله من المتقين”، معركة المتقين والفجار مستمرة مذ ذلك الوقت إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، إنها سنة التدافع بين الحق والباطل
“ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ” ” وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ” لو لا التدافع والمقارعة بين أهل الحق والباطل لفسدت الأرض؛ فلا بد من الظلام لتظهر قيمة النور، وبضدها تتبين الأشياء!
الحرب مشتعلة لا تعرف التوقف ولا أنصاف حلول، والكل يحارب من أجل نشره مبادئة بشتى الوسائل والأسلحة، سلاح المتقين الطهارة والترفع عن سفاف الأمور، وسلوك طريق الحق، والتقرب إلى مولاهم، وتزكية النفس، والبشرية بهذا الطريق، “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”، “سلاما لا نبتغي الجاهلين”. مستعدين ليضحوا من أجل مبادئهم بكل غال ونفيس.
أما سلاح الصراصير الآدمية هو الخبث واللؤم، والفبركة، الكذب والتزوير، وإلقاء اللسان على عواهنه بلا خوف ولا حسيب، ألسنة لا تترجم عن حق، تدافع الباطل وتذيعه وتنشره، تلذع المستقيمين وتشوههم، وتنعتهم بأبشع الألقاب والأوصاف، فهم أتباع الشيطان وحزبه، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، “يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا” فما هم إلا جنود إبليس المخلصين!
المعركة دائمة دائبة ما تعاقب الليل والنهار. فريقان يختصمان، وحزبان يتنازعان على سيادة عقائدهما التي يؤمنون بها، معركة مستمرة ميدانها الأرض مطلق الأرض، يخوضها الإنسان في انضمامه إلى أحد الطريقين، طريق المتقين أم طريق الصراصير الآدمية؛ جنود إبليس!
إنها معركة لا بد أن يخوض غمارها الإنسان بيده فإن لم يستطع فبماله سرا أو جهرا، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه! فاشحذ رمحك، وتوشح سيفك، واحمل سلاحك واختر طريقك وحزبك، فلا حياد في هذه المعركة، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”. ولا ألم ولا فزع ولا عويل ولا بكاء بعد اليوم:

إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق