الخميس، 11 أغسطس 2016

التقدير والتقديس

عندما تنظر إلى واقع شباب الصحوة الإسلامية ترى البعض منهم يخلط بين التقدير والتقديس.
{فالتقدير هو: الاحترام اللازم.  والتقديس هو: المبالغة في الاحترام، والخروج به عن الحدود الشرعية}
لقد أمرنا ديننا الحنيف احترام العلماء والفضلاء والكبراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرأن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط}
{لكن الاحترام والتقدير شيء، والمبالغة في الاحترام إلى درجة التقديس شيء آخر}
وواقع جماعات من المسلمين اليوم أنهم (يقدسون) بعض العلماء وقادة الحركات، وقد يبلغ بهم الأمر إلى درجة العصمة عمليا، وإن لم يقولوا ذلك نظريا، فتراهم لا يقبلون أن يُوَجه إلى قائدهم أو شيخهم أو جماعتهم أي نقد، حتى وإن كان هذا النقد بناءً يُشّخص داءً ويشير إلى دواء.
فتجدهم يستنكفون ويدافعون عن جماعتهم وقادتها حتى في القضايا الظاهرة التي وقعوا فيها، وهي قضايا منهجية، وفي الوقت الذي يدافع حركته وينافح عنها بهذا القدر من الوقاحة، تجده يكيل ألفاظ التعيير والتشنيع لعلماء وحركات تحظى نفس التقدير والاحترام – أو قلتُ التقديس إن صح هذا التعبير- من قبل أعضاء الحركة أو مريدي الشيخ.
{وهذا التعصب واحد من أغلظ الحجب التي تحجب الحقيقة عن الباحث عنها، وعامل مهم في اختلاف العقول والقلوب، دع عنك أنه خطأ جسيم من أخطاء التفكير}
وهنا نضرب مثلين رائعين من سيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – يوضحان لنا البون الشاسع بين التقدير والتقديس:

الأول:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه – رحمه الله – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أرسل أبا هريرة – رضي الله عنه – قائلا له: (اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة) فردَّه سيدنا عمر – رضي الله عنه – ومنعه، فسأله النبي – صلى الله عليه وسلم – قائلا: (يا عمر، ماحملك على ما فعلت؟) قال عمر: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال صلى الله عليه وسلم:(فخلهم).
{والشاهد في الحديث أن سيدنا عمر – رضي الله عنه – مع حبه الشديد، واحترامه الكامل، وثقته المطلقة في حكمة النبي – صلى الله عليه وسلم –، ردَّ أبا هريرة – رضي الله عنه – وبيَّن رأيا مخالفا، فوافقه عليه الرسول المعصوم عليه سلام الله}
والثاني:
هي القصة المشهورة في غزوة بدر، عندما نزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند أدنى ماء من مياه بدر، فقال له الحباب بن المنذر – رضي الله عنه – يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) فقال الحباب: فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغوِّر ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
فقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – إشارته، وبنى عليه استراتيجيته الحربية على رأي هذا الصحابي، ولم تكن عبارته (فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس) مخلًّا بحبه وتقديره واحترامه لنبيه – صلى الله عليه وسلم
واليوم نشاهد طاعة عمياء، وتقديس مفرط لقادة الحركات بل الحركات نفسها، بها يتوالى الناس وبها يتعادون، وتصيبك الدهشة والحيرة عندما ترى ألقاب السب والتجهيل واتهام بقلة العلم والفقه وغياب البصيرة وفقدان منهج البحث، تكال لكل من يُوجه نصيحة أو يقول كلمة حق عند قائد أخطأ أو انحرف، أو عند حركة ضلت وتنكبت عن الطريق!!
وأظن أخي القارئ أنك في غنى عن أن أضرب لك أمثله على ذلك لأن الواقع يشهد  وكفى به – بعد الله – شهيدا.
{إن الاحترام والتقدير لا يمنعان من السؤال، والاستفهام، والتعبير عن الرأي، والمخالفة في الرأي إن اقتضى الأمر ذلك!!}(1)



(1)  العبارات المكتوبة بين القوسين للدكتور أحمد البراء الأميري، أيها الأصدقاء تعالوا نختلف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق